بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الأربعاء 23 فبراير 2011 (Zenit.org). – إن زمن الصوم يرتبط وثيقًا بسر المعمودية لأنه زمن يفتح الإنسان على إعادة اكتشاف جذوره بالصمت، التأمل، الصلاة، التكشف والصدقة، ولهذا كرس البابا بندكتس السادس عشر رسالة الصوم لعام 2011 لموضوع المعمودية كعيش لاختبار الاتحاد بالمسيح في موته وقيامته.
ففي الرسالة التي تستوحي عنوانها “قد دفنتم معه في المعمودية، وفيها أيضاً أقمتم معه” من رسالة القديس بولس إلى أهل كولوسي (وبالتحديد كول 2، 12)، قدم البابا تأملاً في مختلف معاني الصوم.
تحدث بندكتس السادس عشر عن تعليم القديس بولس الذي يشدد في رسائله مراراً على “الشركة الاستثنائية مع ابن الله، التي تتحقق لحظة الانغماس في مياه المعمودية”.
وأوضح البابا أن فعل نيل سر العماد في معظم الأحيان في سن الطفولة إنما يشير بوضوح أنه هبة من لدن الله: “لا أحد يستحق الحياة الأبدية بجهوده الخاصة. فرحمة الله التي تمحو الخطيئة وتسمح لنا بعيش وجودنا بـ “هذا الفكر الذي هو أيضاً في المسيح يسوع” (فيل 2، 5) تعطى للإنسان مجاناً”.
ثم بين البابا كيف أن بولس في الرسالة إلى أهل فيليبي، يوضح معنى التبدل الذي يحصل عبر المشاركة بموت المسيح وقيامته، ويدلنا على الغاية: “أن أعرف المسيح وقوة قيامته والشركة في آلامه؛ والتشبه به في موته، على رجاء القيامة من بين الأموات!” (فيل 3: 10، 11).
وتابع: “المعمودية ليست إذاً طقساً من الماضي، بل هي اللقاء مع المسيح الذي يعطي معنى لكل حياة المعمد، ويمنحه الحياة الإلهية ويدعوه إلى اهتداء صادق تحركه وتدعمه النعمة، سامحاً له بالتوصل إلى مقام المسيح الكامل”.
ثم تحدث الأب الأقدس عن الرابط الذي يجمع المعمودية بالصوم، الذي هو “فترة ملائمة لاختبار النعمة المخلصة”.
وكما أن الصوم هو زمن لاختبار التحرر من الخطيئة، كذلك في سر المعمودية “يتحقق السر العظيم الذي فيه يموت الإنسان بسبب الخطيئة، ويصبح مشاركاً في الحياة الجديدة في المسيح القائم من بين الأموات، ويتلقى روح الله عينه الذي أقام يسوع من بين الأموات (رو 8، 11)”.
وتابع بندكتس السادس عشر: “الصوم يقدم لنا مساراً مشابهاً لمسار تحضير الموعوظين الذي يشكل بالنسبة إلى مسيحيي الكنيسة الأولية وموعوظي اليوم، مدرسة إيمان وحياة مسيحية: يعيشون عمادهم كفعل حاسم لكل وجودهم”.
ثم علق الأب الأقدس على مختلف أناجيل الصوم فقال على سبيل المثال عن إنجيل السامرية الذي يُقرأ في الأحد الثالث: “”اسقيني” (يو 4، 7). هذا الطلب الذي يلتمسه يسوع من السامرية والذي تخبرنا عنه ليتورجيا الأحد الثالث، يعبر عن محبة الله لكل البشر، ويود أن يوقظ في قلوبنا الرغبة في هبة ماء يصبح “نبعاً يفيض فيعطي حياة أبدية” (الآية 14): إنها هبة الروح القدس الذي يجعل المسيحيين “عابدين صادقين” قادرين على الصلاة إلى الآب “بالروح وبالحق” (الآية 23)”.
وأردف: “وحده هذا الماء قادر على إرواء عطشنا إلى الخير والحق والجمال! وحده هذا الماء الذي يعطينا إياه الابن قادر على إسقاء صحارى النفس المضطربة وغير الراضية حتى “ترتاح في الله”، بحسب التعبير الشهير للقديس أغسطينوس”.
وبما أن الصوم هو تعبير عن تخلي الإنسان عن الأمور المادية فهو يعبّر عن “انغماسنا في موت المسيح وقيامته، من خلال سر العماد، يدفعنا يومياً إلى تحرير قلوبنا من عبء الأمور المادية، من الرابط الأناني مع “الأرض”، الذي يفقرنا ويحول دون بذل ذاتنا لله والقريب والانفتاح عليهما”.
وفي هذا الإطار قال الأب الأقدس: “على دربنا، نواجه أيضاً إغراء التملك وحب المال الذي يتعارض مع أولية الله في حياتنا. يولد جشع التملك العنف، الإخلال بالأمانة والموت؛ لذلك، تدعو الكنيسة، بخاصة في زمن الصوم، إلى الصدقة أي إلى المشاركة. بالمقابل، فإن عبادة الثروات لا تفصلنا فقط عن الآخرين، ولكنها تفرغ الإنسان بجعله تعيساً، وتضليله، وخداعه من دون تحقيق ما تعده به، لأنها تستبدل الله، منبع الحياة الأوحد، بالخيرات المادية”.
ودور الصور هو أن يحملنا على “التأمل بسر الصليب على جعلنا نتشبه بالمسيح في موته، لتحقيق هداية عميقة لحياتنا من خلال السماح لأنفسنا بالتبدل بفعل الروح القدس، على غرار القديس بولس على طريق دمشق؛ توجيه حياتنا وفقاً لمشيئة الله”.