مكانة الكتاب المقدس عند الشعب الأرمني (3)

حلب، الجمعة 25 فبراير 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي القسم الثالث من مقالة الأب الياس جانجي بعنوان: “مكانة الكتاب المقدس عند الشعب الأرمني”.

* * *

9ـ قراءة الكتاب المقدس من الشعب الأرمني.

قبل أن يدّرس الشعب الأرمني الكتاب المقدس ويشرحه كان قد قرأه بعمق. وهنا سأفرق بين أربع أنواع من القراءة, الذي يعتبر هذا القول منطلقاً لها: Lالكتاب المقدس هو كلام الرب, تعتبر قرائته فردياً أو جماعياً من أهم طرق عبادة الرب, ومنبعاً لهاM. من خلال هذا التعريف أتابع القول بأنه على كل مؤمن واجب متعلق بحياته وبرسالته, ألا وهو عدم سماع كلام الرب فقط, بل قراءة الكتاب المقدس بعمق. وهذا الواجب هو وظيفة أعطيت Lمن العلىM على شكل نصائح في عدة فصول منها: /ملوك 15: 39/, /تثنية الاشتراع6: 6-9, 11: 18-21/, /مزامير 1, 2/, يوحنا 5, 39/, طيموتاوس الأولى 4: 13 -16/.

بالتأكيد إن الفرق بين الأربع أنواع لا يعتبر كبيراً:

  1ـ رسمياً أو طقسياً.

  2ـ مذهبياً أو دراسياً.

  3ـ شخصياً أو يتعمق.

  4ـ جماعياً أو عائلياً.

1ـ رسمياً أو طقسياً.يتم هذا النوع من القراءات من خلال القداس الإلهي وصلوات الفرض. فكما في كل الكنائس كذلك في الكنيسة الأرمنية, فإن الكتاب المقدس قد قرأ من خلال بعض أجزائه منذ غابر الأزمنة. مثلاً في العهد القديم قرئت بكثرة النبوءات والمزامير, أما في العهد الجديد الأناجيل والرسائل. وهكذا فلكل يوم قراءة محددة بحسب عيد اليوم ونجد هذا التحديد في الرزنامة الطقسية أو في Lالأعياد, الصوم والقراءات بحسب الكنيسة الأرمنية المقدسة.

2ـ مذهبياً أو دراسياً.كان هذا النوع من القراءات منتشراً بكثرة عند الأرمن القدماء حيث كانت دراسة الكتاب المقدس تتم بكثرة تحت جناح الأديرة الأرمنية. تحلل النصوص وتصنف وتدرس. وكإثبات تاريخي على هذا, إن جمعية الآباء المخيتارين استعملت هذا النوع من القراءات منذ العام 1746. وانطلاقاً من خبرتي الشخصية فإني أقول أنه بواسطة تحليلي للنصوص الكتابية فإنني أدرس اللاهوت الأخلاقي الكتابي.

3ـ شخصياً أو بتعمق. إن هذا النوع من القراءة كان منتشراً عند النقاد الأقدمين, فعندما تكلموا عن ميزة أمير ما أو رجل دين, ذكروا تعمقهم ودراساتهم الكتابية. ولإثبات هذا أود أن أذكر بعض الأمثلة عن أشخاص.

يخبرنا متى أورهاتسي في القرن الثاني عشر عن كاكيك أباسي ملك كارسي, بأنه كان يعرف العهدين القديم والجديد[1]. كذلك يخبرنا المؤرخ صاموئيل آينتسي في القرن الثاني عشر, بأن آخر ملك للبقرادونيين الملك كاكيك الثاني قد تربى منذ ولادته على أسس ومبادئ الكتاب المقدس وبواسطتهم كان سيسلم إرثه[2]. ويخبرنا مؤرخ آخر مجهو عن ملك كيليكيا هيتوم الثاني (+1307) بأنه كان يقرأ الكتاب المقدس منذ أيام طفولته[3]. كذلك يخبرنا العالم الأب غيفونت أليشان من جمعية الآباء المخيتارين عام 1901في كتابه هايابادوم بأن الأميرة فيمي, أخت الملك هيتوم Lكانت تتعزى بالكتاب المقدس تعويضاً عن فشل زوجها[4]M.

4ـ تشكل  القراءة الجماعية والعائلية الأساس للأنواع الثلاثة السابقة عند الأرمن في قراءتهم وتعلقهم بالكتاب المقدس, فإن العالم الأب فارطان هاتسوني المختص في علم القوميات الأرمنية وفي الطقس الأرمني يخبرنا بأن القراءة الكتاب المقدس الجماعية والعائلية كانت تحدث تحت جناح كل بيت حيث كانت الأم تجمع أولادها, قارئة لهم الكتاب المقدس. وهذا الإثبات قد قدمه قبله المؤرخين القدامى. وهكذا سيثبت الأب يغيشه بأن جنود معركة الفارطانانتس Lمعظمهم كانوا قد حفظوا الكتاب المقدس منذ طفولتهمM واهذا فإن القديس غيفونت الكبير يقولLإنكم عالمون ومتعمقون أكثر مني بالكتاب المقدس[5]M.

10ـ عيش الكتاب المقدس من الشعب الأرمني.

ها قد وصلنا إلى النقطة العاشرة من محاضرتي. وأعتقد بأنها زائدة لأن الأقسام التسعة التي سبقتها تشهد عيش الأرمن للكتاب المقدس عيشة إيمان وصلاة واستشهاد. فكما الكنيسة الجامعة كذلك كنيستنا الأرمنية تقول بأن شرط عيش الشعب الأرمني للكتاب المقدس هو حبه له الداخلي والخارجي, وذك بحسب الآباء والمؤرخين. والمخافة منه التي تنتج عن القراءة والتأمل في كلام الرب مقترنة بنقاوة القلب وتواضع الفكر.

إن الأنواع الأربعة السابقة من عيش الشعب الأرمني للكتاب المقدس سوف تدفع الأرمن المعاصرين للعودة إلى مطالعة وتأمل وعيش الكتاب المقدس. فإن المؤرخ يغيشه (القرن الخامس) يصفّ في مؤلفه الرائع Lمن أجل فارطان والمعركة الأرمنيةM بأنه خلال الحرب كانت السيدات تتمتم المزامير وكانت تعزيتها قراءة النبوءات[6].وكذلك  الأمر يشهد غازار باربيتسي في القرن الثالث عن الشعب الأرمني بأنهLكان يعرف مزامير داوود غيباً[7]. وذات الشهادة يعطيها توماس آردزوني في القرن الخامس عشر: Lكان الأرمن يتمتمون دائماً المزامير[8].

Lوهكذا فإن آباءنا كانوا يخصصون أوقاتاً في الصباح والمساء لقراءة الكتاب المقدس لطي يتغذوا منه, فقد كانوا مثالاً صالحاً لأبنائهم في حفظ وصايا الله وتطبيقها[9]M

خاتمة

وهكذا سأختم.

إننا في شهر نيسان.

شهر آلام مخلصنا وموته, بالإضافة إلى شهر ذكرى استشهاد أجدادنا.

شهر ذكرى قيامة ربنا وانتصاره, الذي يستحقها شهدائنا المليونان في نيسان. لقد بدأت هذه المحاضرة بحكاية عن ذكرى المجازر الأرمني
ة وأريد أن أختمها بحديث آخر عن المجازر. ففي الثالث من حزيران عام 1915, عندما اعتقل المطران اغناطيوس مالويان اعلموه بعد يومين بخبر اعتقال 862 علماني و 15 مكرس بدون سبب.

وفي الحادي والعشرين من حزيران عام 1915, يوم الجمعة, عيد قلب يسوع الإلهي أصيب برصاصة ووقع على الأرض مضرخاً بدم الشهادة ومهمداً بها ولكن قبل ذلك كان قد رفض إتكار المسيح معيداً قول إيمان القديس فارطان وغيفونت: Lيا ابانا نحن نعلم إنجيلك, ونعلم بأن الكنيسة الكاثوليكية الرسولية هي أمنا, فلا أحد سيفرقنا عنهما[10]M.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

[1] مذكرات, فاغارشاباد, 1895, ص 183.

[2] نفس المصدر, الباب 935.

[3] أ. غ. أليشان, هايابادوم1901, ص516.

[4]  نفس المرجع, ص 516.

[5] المخطوطات, البندقية, 1858, ص 18, 84.

[6] نفس المرجع, ص108.

[7] تاريخ الأرمن, يريفان, 1982, ص 605.

[8] تاريخ بيت آردزوني, القسطنطينية, 1859, ص135.

[9] ماساتشوسيس, 1915, ص31.

[10] نفس المرجع, ص51.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير