مستشرق إيطالي: بدون نظرة نقدية عربية للذات لن نرى عيوبنا (2)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

حاوره إميل أمين

القاهرة، الاثنين 7 مارس 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي القسم الثاني من الحوار الذي أجرته زينيت مع الأب الدكتور  جوزيبي سكاتوليني أستاذ التصوف الإسلامي في مصر وايطاليا. القسم الأول من المقالة نشر نهار الجمعة 4 مارس 2011.

* * *

** في الفترة الاخيرة في مصر نظر الكثيرون للحوار مع الكنيسة الكاثوليكية نظرة مملؤة ريبة وقبلها قال البعض ان الأمر لقاءات بروتوكولية .. الى أين يقودنا هذا التفكير ؟

 أنا ضد هذه النظرة بداية  ومتابع ومطلع على تلك الإشكالية  بعمق وأظن  أنها تقودنا  لطرق باب موضوع التعددية الدينية ، وهذا موضوع يستحق الدراسة العميقة ، وفي الحقيقة كثيرا ما أناقش  زملائي من المفكرين المسلمين في قضية  التعددية الدينية حتى في الإسلام على أساس أنها ليست من وضع بشري ولكنها تدخل في المخطط الإلهي للإنسانية والأدلة القرآنية على ذلك كثيرة  ومنه الآية القرآنية” وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” وآيات أخرى كثيرة  توضح ان التعددية الدينية هي من عمق إرادة الله ،  لكن يجب ان نتبنه لأمر جلل وهو انه لا تعددية بدون حرية دينية .

** كيف تقيم شان الحريات الدينية في عالمنا العربي على نحو عام ؟

هناك اشكالية في واقع الحال وهي انك عندما تنمو في بيئة مغلقة لا تسمع شيء أخر إلا الشعارات الدينية من طرف دين واحد أنت عندها لا تكون حرا  في اختياراتك الإيمانية ،  ولذلك فان التعددية الدينية أمر واجب الوجود ، ومن يرفض الحرية الدينية في الشرق أو الغرب على حد سواء وبدون  تخصيص أو تحديد رقعة جغرافية ما ، هو يرفض التعددية ،  والإنسان مخلوق حر ، وعندما تجبره على السير في طريق بعينه أنت تسرق حريته والسرقة أمر منافي ومجافي لروح الدين وبذلك يفسد المفهوم الديني الصحيح  إذا خلا من حرية المعتقد والإيمان والدين والعقيدة .

 ** كان من المفترض ان العولمة  تقرب بين الناس لا ان تفرقهم الهويات القاتلة  ….. لماذا ظهرت الهويات الدينية والأصولية في  زمن العولمة بأوسع صورة ؟

 ظاهرة الهويات الدينية ليست ظاهرة حديثة  بل هي ظاهرة معروفة عبر التاريخ  القديم الأوربي والعربي والإسلامي ،  ولعب الدين دورا كبيرا  في السياسة والحكام كثيرا ما كانوا يطلبون التأييد الديني لأنظمتهم ، جرى ذلك في عهود الأمويين والعباسيين والذين خلفوهم ، أنا  أرى ان  الأديان الآن عليها ان تواجه اشكالية ثقافة التسويق العالمية ، العولمة  تحاول تسويق أي شيء وكل شيء وأي قيمة وكل قيمة ، والسيطرة على مقدرات البشرية عبر الأسواق ،  وما لا يباع ولا يشترى في تلك الأسواق ليس له قيمة .

** كمستشرق عاش طويلا في العالم العربي كيف تقرا حالة الفوران والثورات التي تشهدها المنطقة العربية مؤخرا ؟

 أنا أعيش هنا منذ 40 سنة تقريبا  ، ورأيت ما جرى من تطور في العالم العربي  منذ جيل الثورات الأولى ضد الاستعمار ،  في الخمسينات كانت  مرحلة النضال ضد الاستعمار الخارجي ، لكن من أسف جاء بعد ذلك الاستبداد من الداخل من قبل الرؤساء والحكام  وشهدنا أنظمة ديكتاتورية أو شبيهة في كثير من البلاد العربية .

 والمثير ان هولاء الحكام لم يشعروا ان شيئا  جوهريا قد حدث وهو تحول جيلي  من قبل الشباب الرافضين للحكم الاستبدادي  المسيطر على العالم العربي  والذي كان لابد له ان ينتهي .

** ما الذي لفت نظرك في حركات الثورات الشبابية مثل حركة 25 يناير في مصر ؟

 أول ما يلفت نظر  المتابع المحقق والمدقق في الأمر أنها حركات تحررية جاءت من القاعدة  من قاعدة الجماهير والشعب  أي من أسفل  من أساس الناس ،  وليست حركات فوقية أو نخبوية كما في ثروات التحرر في الخمسينات ،  هذا أمر مهم جدا ما اكسبها زخما شديدا  يؤكد جوهرية التحول الثقافي .. ولكن يبقى السؤال الى أين ستمضي هذه الحركات وما هو مستقبلها ؟ هناك علامات استفهام معلقة في رحم الغيب  بعد .

** كثير من  المحللين يرون ان المنطقة العربية ربما كانت مقبلة على حركة اسلمة سياسية وسيادة أنماط من الحكم الديني …. ما هي احتمالات حدوث ذلك بالفعل من وجهة نظركم  ؟

هذا احتمال وراد ولا شك ويبسط جناحيه ربما على المشهد الآني ، لكن ندائي للشباب العربي الذي يريد ان يغير العال  العربي   هو ان تكون له نظرة حكمية  على الأمور ، ويجب ان يدرسوا التاريخ  لكي لا يكرروا أخطاءه سيما وان الحكومات الدينية كانت موجودة  في العالم الإسلامي منذ فجره ،  والحديث عن الحلم الديني الذهبي للحكم يعادل أيضا  التسويق للنظم الشيوعية التي وعدت الناس بفراديس على الأرض ،  لكن  الأنظمة ذات الأصول  الدينية والإيديولوجية أثبتت  أنها أنظمة فاشلة  ولا غرو .

 ** تبقى الأحاديث عن الديمقراطية أحاديث غناء منطلقة دونما  محددات أو معيرات …. ما هي الديمقراطية المنشودة في تقديرك ؟

القول بان النظام الديمقراطي هو حل لكل المشاكل  قولا ليس صائبا باطلاقية المشهد،  فليس النظام الديمقراطي المؤسس على فكرة الأغلبية هو الحل ، بل النظام الديمقراطي المؤسس على  حقوق الإنسان  الأساسية،  ومن هذه الحقوق  حرية الفكر والضمير والدين ،  ولهذا أتمنى  بالفعل ان نرى أنظمة مدنية ديمقراطية لا أنظمة دينية  تدخلنا من جديد في شكل من أشكال الاستبداد الديني الأمر الذي ستكون له عواقب وردود فعل سلبية كثيرة ولا شك .

 ** بصفتك مراقب لما يجري في مصر هل تخشى من ان تقوم جماعات بعينها باختطاف منجزات شباب 25 يناير وثورتهم وتجيير
ها لصالح أجنداتهم السياسية التي لا تخفى على احد ؟

 بدون شك التيارات الإسلامية  ستحاول ان تقود هذه الحركة وتستولي على منجزات  الشباب  ، وهنا أراهن على شباب ثورة 25 يناير وعلى ثقافته ونضجه وممارساته الديمقراطية في إقناع عموم المصريين بالمشاركة الايجابية التي تمنع  أي تيارات متعصبة  أو متطرفة من الاستيلاء على المشهد  ، سيما وان هذه الاخيرة لها  حضور جماهيري كبير ،  وقوة دعائية واضحة ، وهذا يجعل لمشهد الحالي في كافة دول العالم العربي ليس مستقرا .

** هل أنت راض  عن مشاركة الكنيسة القبطية  في  أحداث الثورة وما بعدها من استحقاقات حتى الساعة ؟

 الكنيسة القبطية كانت موجودة في ميدان التحرير على مستوى الأفراد ، وبعضها أقام صلوات في الميدان والبعض الآخر أقام لاحقا تكريمات  واحتفالات وصدرت كثير من  البيانات والكنيسة الكاثوليكية منذ أيام أقامت قداس على نية شهداء الثورة ، واطن ان هذه خطوات ايجابية للمشاركة ، لكن تبقى هناك عقبات كثيرة في الطريق مثل الأوضاع الاقتصادية المتردية ،   والأمن المفقود ، وهذا أمر خطير إذ عند منحنى معين سيفضل الناس الأمن وضمان المعيشة اليومية على أي شعارات أخرى جوفاء لا تأتي بما هو مفيد وقد تكون هذه بالفعل فرصة  لتيارات أخرى  لتستولي على الحركة الثورية وتوجها كما تشاء .

** مع المتغيرات النوعية والكمية الحادثة الآن على الصعيد العربي هل تتعزز المخاوف  لجهة أوضاع وبقاء مسيحي الشر ق الأوسط ؟

هذه قضية مهمة جدا وقائمة بذاتها ،  فقد كان هناك تعايش  مشروط في القرون الأولى من قبل الأنظمة الإسلامية لجهة المسيحيين العرب ،  وفي العصور الحديثة وبعد الثورة الفرنسية راهن البعض على تغير تلك الأوضاع ،   على  أساس اعتبار ان حقوق الإنسان هي حق مكفول لكل إنسان ،  لكن من أسف ذلك لم يحصل إلا بنسب متواضعة جدا ، وفي العقود الاخيرة بدا واضحا ان المسيحيين العرب يعيشون ضغوطات من الجماعات المتطرفة  وهذا سبب هجرة المسيحيين العرب للخارج ،  وإذا أردنا بقاء هولاء  علينا المساعدة لتغيير الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشون فيها .

** هل ترى حظوظ حقيقية لثقافة حقوق  الإنسان في مصر  والعالم العربي ؟

مؤكد أنها ليست مقبولة ولا منتشرة بنسبة 100%  في أوساط حكومات وقيادات الشرق الأوسط،  أما الأخطر من ذلك حقا وقولا وفعلا  فهو إنها  غير مقبولة على مستوى المثقفين العرب ولا أرى من يدافع عنها ، هم يدافعون عن قضية فلسطين  وكأنها القضية الوحيدة هنا في الشروق الأوسط ، ومع أهميتها هناك قضايا أخرى كقضايا الأقباط وقضايا الأقليات  ولا يبرر التمسك بقضية فلسطين  نسيان القضايا الأخرى .

** من جديد أعود الى رؤيتك الاستشراقية في مواجهة ظاهرة التطرف .. كيف وما هي أفضل السبل لمجابهتها ومواجهتها ؟

الأصولية الدينية تكافح بمزيد من الثقافة ، لا  أتحدث هنا عن الثقافة المتحيزة بل عن الثقافة النقدية  ثقافة نقد الذات ، أنا لم اقرأ  الكثير من الكتب التي تناول تاريخ الشرق بالنقد  . جل ما أجده من كتابات هو عبارة عن ثقافة دفاعية ضد الأخر ، وكأن الشر كل الشر يأتي دائما من الخارج وليس من الداخل ، هذه نظرية طفولية ، الشر موجود في كل ثقافة غربية كانت أو شرقية وكما يقول السيد  المسيح ، ليس ما يدخل الفم يدنس الإنسان بل ما يخرج من الإنسان .

 ولهذا  اعتبر ان ما قام به البابا يوحنا بولس الثاني الكبير من  مراجعة واعتذار في زمن اليوبيل تجاه الأخطاء التي ارتكبت من رجالات الكنيسة أمر تقدمي جدا ودعوة حقيقة لمراجعة الذات ونقدها .

 وبدون نظرة نقدية عربية للذات لن نرى  عيوبنا  بل فقط نتحلق حول عيوب الآخرين ، ما يعطي الفرصة لنمو التطرف ،  حيث ترى  الأخر هو العدو الشرير ونحن الأبرياء  المضطهدين وهذا موقف غير عقلاني من الأصل .

** بعد 40 سنة بين جنبات العالم العربي هل من أمنية تتمنى لو تحققت في  حياتك  لهذا العالم المسكون بالمتناقضات ؟

أنا عشت اغلب سنوات عمري هنا و ليس عندي أي اعتراض ان امضي فيه الى النهاية ، وما أتمناه هو ان تسترد الثقافة العربية الأصلية وجهها  الايجابي البراق ولهذا اكتب وانشر وابحث في تلك الأصول كما في كتاب التجليات الروحية  في الإسلام . أتمنى ان يعود العقل كفريضة غائبة لهذه المنطقة ،  وان يتحرر العقل  العربي من القيود والأغلال ،  أتمنى ان تنتصر على العولمة   التي تسلع الإنسان ،  عبر تجميع القيم الإنسانية  الموجودة بثقافات الأديان لكي نبني الإنسان   الأوسع والاشمل إنسانية  والمنفتح  على كل الثقافات والتيارات لا المنغلق على دين معين أو مذهب بذاته ، فكما قال أرسطو   الإنسان هو الكائن  المنفتح على الآخرين .

 أتمنى ان نتحد في نظرتنا للكون ونرى كائنات الله المختلفة على تنوعها  كخير مثال على  تهافت فكرة سيطرة كائن واحد أو مذهب أو دين  على بقية العالم فالتعددية إثراء للإنسان في الحال والاستقبال  .

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير