مقابلة مع رئيس اساقفة حلب وتوابعها للأرمن الكاثوليك
حاوره طوني عساف
روما، الثلاثاء 5 أبريل 2011 (Zenit.org) –. – على هامش زيارته الى روما للمشاركة في لقاء لجنة متابعة أعمال ما بعد سينودس أساقفة الشرق الأوسط الذي انتهى يوم الجمعة 1 أبريل، أجرت وكالة زينيت مقابلة مع رئيس أساقفة حلب وتوابعها للأرمن الكاثوليك في سوريا، المطران بطرس مراياتي. في هذا القسم الأول من المقابلة حدثنا سيادته عن الأوضاع الراهنة على الساحة السورية، وعن أهمية أن تقوم وسائل الإعلام بنقل الحقائق كما هي دونما تضخيم أو تشويه للواقع.
ماذا تقولون لنا عن الوضع الحالي في سوريا؟
في سوريا والحمد لله، الوضع حالياً هو مستقر وقد حل الأمن والأمان بعد مداخلة السيد الرئيس والخطاب الذي ألقاه في قاعة مؤتمر مجلس الشعب، فعاد الهدوء الى النفوس والى الشوارع. ولكن لا شك في أن هناك بعض الأيادي التي لا تزال تريد أن تزرع الفتنة وإن شاء الله، بمعونته تعالى، سنعود الى ما كنا عليه في حالة من الاستقرار، خاصة اذا استجابت الحكومة العتيدة الى مطالب الشعب والى توجيهات السيد الرئيس والى ما نتج عن المؤتمر القطري وعن الاجتماعات الرسمية التي أقرت زيادة الرواتب وتعديل الدستور وبعض القرارات والتوصيات الهامة التي تهم المواطن في ظل هذا الوضع الراهن الذي نعيشه في سوريا وفي المنطقة العربية بشكل عام.
ما هو تأثير هذه الأحداث على الساحة المسيحية في سوريا؟
الساحة المسيحية لا تنظر الى هذا الحدث من حيث انها مسيحية، فالشعب المسيحي في سوريا هو جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، ولذلك نحن ننظر الى الأحداث كشعب واحد، كمجتمع واحد، كأمة واحدة، وكل ما يهم السوري، بغض النظر عن دينه او مذهبه أو عرقه، يهمنا أيضاً كمسيحيين. ولذلك نحن في خضمّ الأحداث ومعنيون بكل ما يجري على الساحة السورية، ونحن كرجال دين على وجه الخصوص، نرفع الصلاة لكي تعود الأمور الى ما كانت عليه ويعم السلام وتتم الاصلاحات التي وعد بها السيد الرئيس وكل المسؤولين في بلدنا الحبيب.
كيف يعاش الحوار المسيحي الإسلامي في ظل الأوضاع الراهنة؟
الحوار المسيحي الاسلامي هو حوار حياة، حوار عملي، حوار لقاء ومحبة. ليس بيننا حوارات رسمية عقائدية فهذا يدخل في شأن المسؤولين على مستوى عالمي أو على مستوى المراجع الرسمية في المسيحية والإسلام. أما نحن في سوريا فقد عشنا ولا نزال نعمل ونعيش في بوتقة واحدة من هذا العمل واللقاء الاسلامي المسيحي، فنحن نعيش في بلد واحد، في شارع واحد، نشارك في تعليم واحد، مؤسسات واحدة، في الجامعة والمدارس والمستشفيات، ونحن نتحمل مسؤوليات مشتركة، فلا تمييز في سوريا بين مسيحي ومسلم. ولذلك فنحن نعيش هذا اللقاء عملياً، حياتياً، بدون أن نعود الى حوارات أو مناقشات بين طرفين يعانيين ربما من اختلاف في المذهب والعقيدة. فنحن في سوريا وإن كان هناك اختلاف في بعض المذاهب وبعض المعتقدات وإنما لا خلاف في الحياة المشتركة وفي المواطنة وفي بناء المجتمع وفي الدفاع عن هذا الوطن وفي النظر الى مستقبل أفضل. نحن واحد في كل الخنادق وخاصة كرجال دين نحن ندعو الى الصلاة ونطلب من الله تعالى ان يرعانا وأن يحفظنا وان يحمينا من كل مكروه.
الجماعة الأرمنية موزعة في الشرق الأوسط. كيف تعيش الجماعة الأرمنية في سوريا؟
الجماعة الأرمنية مرتبطة بكنيسة، مرتبطة بطائفة، بجذور، بقومية، بثقافة، ولكنها أيضاً جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري. فكل أرمني في سوريا هو سوري، هو عربي، هو مواطن أصيل ويعمل من أجل ازدهار هذا البلد ومن أجل بناء مستقبل مشرق. فالأرمني اليوم يخدم في الجيش، يعمل ويسعى لكي يقدم للمجتمع – ثقافياً، حضارياً وفنياً – ما ورثه عن أجداده وما يتعلمه في مدرسته أو في بيئته أو في العائلة. وإن الدولة ترعى هذا التنوع في الثقافات, ونحن نعلم اللغة الأرمنية في مدارسنا، ونتحدث باللغة الأرمنية في بيوتنا ونقدم الصلوات الطقسية بحسب اللغة الأرمنية. وبالتالي هناك حرية كاملة لكي نستخدم هذه اللغة الطقسية التي لا تتناقد مع لغتنا العربية بل تتفاعل معها، تعيش في هذه البيئة فتأخذ عن اللغة العربية وتعطي المجتمع العربي شيئاً جديداً. ومن هذا المنطلق فقد أسسنا لجنة أطلقنا عليها اسم “لجنة العلاقات الثقافية العربية-الأرمنية” التي تسعى لإقامة الجسور بين المثقفين لكي ننقل الى اللغة العربية أهم الكتب الأرمنية وننقل الى الأرمنية أهم الكتب العربية، وبالتالي يأتي هذا التفاعل بين الثقافتين وبين الحضارتين ونعيش قوميتنا السورية بدون ان ننكر جذورنا وأصولنا الأرمنية العريقة.
هل ترون في ما يحصل في سوريا امتداداً لما حصل ويحصل في شمال افريقيا؟
هناك اختلاف كبير بين ما جرى في تونس وليبيا ومصر وما يجري اليوم في سوريا. نحن لنا تاريخ عريق ونختلف عن تلك البلدان لأن تلك البلدان تملك البترول ونحن لا نملك البترول. هناك ربما فئة واحدة من الشعب أما نحن فمجتمع فسيفسائي فيه من الألوان والأطياف ما يجعل منا مجتمعاً مختلفاً عن سائر البلدان. لنا حضارة عريقة وتاريخ مشترك، ونعيش معاً منذ تاريخ وأجيال. ولذلك فأنا أرى بأن ما يجري في سوريا اليوم يختلف اختلافاً جذرياً أكان في الثقافة أو الحضارة أو اللغة أو المعطيات أو الامور السياسية والاجتماعية، عمّا يجري في سائر البلدان الشرق أوسطية وفي شمال افريقيا. لنا
خصوصيتنا ولنا واقعنا، ونحن نحترم هذا الواقع السوري ولا نريد أن نشبهه بأي واقع آخر على الساحة العربية والإسلامية والعالمية اليوم.
ما هو برأيكم الدور الذي على وسائل الإعلام ان تلعبه في الأزمة في العالم العربي؟
كما رأينا من خلال الأحداث الأخيرة، لوسائل الإعلام دور جبار وفعال وتستطيع أن تخلق العواصف والأعصار. فما نطلبه من وسائل الإعلام هو ان تكون نزيهة، حيادية، واقعية، ان تسعى الى قول الحق، الى عدم طمس الوقائع ولكن ايضاً الى عدم تشويه وتزوير الواقع. رأينا من خلال التلفزيونات والإذاعات والوكالات بأن الأمور قد يُعبَث بها وقد تستطيع الأخبار المغلوطة والأخبار المشوّهة والأخبار المُغرضة – والتي فيها الكثير من التضخيم من خلال التركيز على معطيات وصور بحسب الوسائل التقنية الحديثة وربما بحسب توجيهات مُغرضة -، تستطيع أن تقلب المعادلات وأن تخلق أجواء من الفتن ومن التناحر. فالكلمة هي كالسيف وربما هي أمضى من السيف، فإن استخدمناها لقول الحق فهي خير وإن استخدمناها من أجل الشر فهي تكون خطراً علينا وفيها موت الحياة التي نعيشها في البلدان العربية.