مع البابا يوحنا بولس الثاني (2)

Share this Entry

شهادة عالم مسلم

 

بقلم محمد السماك، مستشار مفتي الجمهورية اللبنانية

روما، الخميس 21 أبريل 2011 (Zenit.org) – أثناء العشاء الخاص الذي أشرت اليه سابقاً روى البابا يوحنا بولس الثاني قصة بناء المسجد والمركز الثقافي الاسلامي في روما . قال ان محافظ العاصمة الايطالية زاره حاملاً رسالة رسمية من سفراء الدول الاسلامية يبدون فيها رغبتهم المشتركة في بناء المسجد . طالباً رأيه للتصرف على أساسه . فردّ البابا بالموافقة . بل وذهب الى أبعد من ذلك إذ طلب من المحافظ أن يقدم الارض لبناء المسجد والمركز الثقافي مجاناً .

 وعندما زار البابا  لبنان في مايو – ايار من عام 1996 حيث اعلن وثيقة الارشاد الرسولي كمحصلة نهائية لأعمال السينودس من اجل لبنان ، أوْلى حرصاً صادقاً على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسحييين اللبنانيين وشدد على أهمية تأصيل العلاقة المصيرية بين العرب المسلمين والمسيحيين وعلى دور مسيحيي لبنان بصورة خاصة في تعزيز هذه العلاقة وتوثيقها . ويومها اعلن عبارته الشهيرة ان لبنان هو اكثر من دولة انه رسالة .ولكن يبقى علينا نحن اللبنانيين أن نكون في مستوى هذه الرسالة النبيلة.

 أما على صعيد العلاقات المسيحية – الاسلامية بصورة عامة ، فقد اتخذ البابا عدداً من المبادرات ، مدّت جسوراً من التفاهم والتآخي لم يسبقه اليها أحد .

تصوروا مثلاً لو انه لم يقف من حيث المبدأ ضد ربط الدين – أي دين – بالارهاب. تصوروا لو انه لم يبادر بعد جريمة 11 أيلول 2001 الى اعطاء الضوء الأخضر لعقد لقاء اسلامي – مسيحي على مستوى عال في الفاتيكان  ليعلن اللقاء ان الدين – كل دين – براء من الارهاب . وبالتالي فان الاسلام ليس مصدراً للارهاب. تصوروا لو انه قال العكس من ذلك كما ردد بعض قساوسة الحركة الصهيونية المسيحانية في الولايات المتحدة امثال الراحل جيري فولويل وفرانكلين غراهام وبات روبرتسون وهال ليندسي وسواهم .. بل تصوروا لو انه سكت ولم يقل شيئاً ، بحيث يمكن تفسير سكوته على انه موافقة ضمنية . أين كانت العلاقات الاسلامية – المسيحية اليوم ؟.

وتصوروا لو ان البابا لم يقف ضد الحرب الاميركية – البريطانية على العراق . تصوروا  لو انه لم يقل انها غير أخلاقية وغير مبررة . تصوروا لو قال العكس كما كانت تريد واشنطن ولندن . ماذا كان قد حلّ بالعلاقات الاسلامية – المسيحية؟. غير  إنه من المحزن والمخزي معاً أنه رغم ذلك يتعرض اليوم مسيحيو الشرق وخاصة مسيحيو العراق الى الاعتداء الآثم. وحتى عندما زلّ لسان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وقال عن الحرب على العراق انها صليبية جديدة، بادر البابا الى وصفها بأنها حرب منافية للقيم المسيحية.

لقد حرص البابا طوال ربع قرن على تنفيذ قرارات وتوصيات الفاتيكان الثاني ( 1964 – 1965 ) والتي اصبحت مبادئ عامة الكنيسة  وخاصة منها تلك التي تتعلق بعلاقات الكاثوليكية مع الاديان والعقائد الاخرى ،  وأرسى قواعد وسوابق كهنوتية عديدة تقيم جسوراً من الاحترام المتبادل مع المؤمنين بهذه الاديان والعقائد .   

لقد ترك لنا البابا الراحل رصيداً كبيراً يتحتم علينا التمسك به وأن لا نلقيه وراء ظهورنا منسياً . ومن مقتضيات الوفاء له مواصلة العمل معاً ، مسلمين ومسيحيين في لبنان وفي العالم العربي وفي مجتمعاتنا المختلفة في مشارق الأرض ومغاربها على قاعدة المحبة والاحترام المتبادل . وفي اعتقادي ان البابا يوحنا بولس الثاني فهم بروحانية سامية قول السيد المسيح في انجيل يوحنا (10/16) ” ان لديّ خرافاً اخرى لا تنتمي الى هذا القطيع” . فقد أدرك بصفاء إيمانه معنى وجود خراف أخرى . اي معنى وجود الآخر ومعنى تعدد معارج الإيمان الى الإله الواحد . فكان انفتاحه على الآخر واحترامه له ، تعبيرا عن قبوله للتنوع وعن احترامه للاختلاف ، ففتح بذلك صفحة مشرقة في العلاقات الاسلامية – المسيحية تحمل توقيعه مع المحبة . ونحن اليوم أحوج ما نكون الى قراءة هذه الصفحة والاستفادة بما فيها من روحانية ومحبة .

لم تكن صحة البابا جيدة دائماً . فلقد كان يشكو من مضاعفات حادث سيارة تعرّض له اثناء عمله في مناجم بولندة وهو لا يزال شاباً . ثم أصيب  بكسرين في كتفه وساقه وهو يمارس رياضة التزلج .

وأصيب بعد ذلك بمرض خبيث في الامعاء . كما اصيب بداء المفاصل . الا انه استقوى على كل هذه الامراض الى ان اصيب بمرض الباركنسون فبدا وكأن “النصال تتكسر على النصال” . ولا شك في ان محاولة الاغتيال التي تعرض لها على يد شاب تركي كان عميلاً للمخابرات البلغارية في العهد الشيوعي ، زادت من المضاعفات السلبية لهذه الامراض . منذ ذلك الوقت شددت اجراءات الحراسة عليه خلال تنقلاته وزياراته الدولية ، الا انه كان يستخف بهذه الاجراءات بقوله : لم أتعرض الى محاولة الاغتيال الا في ساحة القديس بطرس !! وقد عزا الفضل في نجاته من محاولة الاغتيال الى السيدة مريم. ولذلك توجه الى البرتغال حيث ادى صلاة الشكر امام تمثالها الشهير في ” مزار فاطمة”.

وفي كل مرة أزور فيها روما ، أتوجه الى ضريحه في حاضرة الفاتيكان فأقف أمامه خاشعاً وأنا أردّد : عفوك يا سيدي . لقد رأيت ماذا فعلت أنت من أجل لبنان .. ولكنني أخجل أن أروي لك ماذا نفعل نحن في لبنان .

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير