الصليب هو علامة الحب المنيرة، بل وعلامة وسع محبة الله
روما، الجمعة 22 أبريل 2011 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي التأمل الذي ألقاه البابا بندكتس السادس عشر هذا المساء في ختام درب الصليب في الكولوسيو في روما
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء
هذا المساء رافقنا بالإيمان يسوع الذي يمر بآخر مرحلة من مسيرته الأرضية، المرحلة الأكثر الماً، مسيرة الجلحجلة. اصغينا الى صخب الجموع، الى كلمات الإدانة، الى سخرية الجنود، الى بكاء العذراء مريم والنسوة. والآن نحن عاكفون في صمت هذا المساء، في صمت الصليب، في صمت الموت. إنه صمت يحمل في ذاته ثقل الم الإنسان المرفوض والمظلوم والمنسحق، ثقل الخطيئة التي تشوه وجهه، ثقل الشر. هذا المساء عشنا من جديد، وفي عمق قلبنا، مأساة يسوع المثقّل بالالم، بالشر، بخطئية البشر.
ماذا يبقى الآن أمام أعيننا؟ يبقى المصلوب؛ صليب يرتفع على الجلجلة، ويبدو كعلامة لفشل الذي وهب النور للذين في الظلام، ذاك الذي تكلم عن قوة الغفران والرحمة، الذي دعا الى الإيمان بمحبة الله اللامتناهية لكل شخص بشري. مزدرى ومتروك من الناس، نحن امام “رجل أوجاع وعارف بالألم ومثل من يستر الوجه عنه مزدرى فلم نعبأ به.” (إش 53: 3) .
ولكن فلننظر جيداً الى ذلك الإنسان المعلق بين السماء والأرض، فلنتأمل به بنظرة أكثر عمقاً، وسنكتشف بأن الصليب ليس رمز الانتصار على الموت والخطيئة والشر بل هو العلامة المضيئة للمحبة، لا بل ولوسع محبة الله، ولكل ما لم يكن بالاستطاعة طلبُه أو تصوره أو ترجيه: الله انحنى علينا، وانحدر حتى أحلك زاوية في حياتنا ليمد يده وينتشلنا ويحملنا إليه. الصليب يحدثنا عن محبة الله العظمى ويدعونا لنجدد اليوم إيماننا بقوة هذه المحبة، ونؤمن انه في كل حالة من حياتنا ومن التاريخ ومن العالم، الله قادر على التغلب على الموت والخطيئة والشر، وأن يمنحنا حياة جديدة مصبوغة بالقيامة. في موت ابن الله على الصليب، هناك بذرة رجاء حياة جديد، كحبة الحنطة التي تموت في الأرض.
في هذا المساء المفعم بالصمت، المفعم بالرجاء، يتردد صدى الدعوة التي يوجهها الله من خلال كلمات القديس أغسطينوس: “آمنوا! أنتم ستأتون إلي وتتذوقون خيور مائدتي، وانا لم أتردد في تذوق شرور مائدتكم. لقد وعدتكم حياتي… انطلاقاً من موتي، وكأني اقول لكم: “ها إني أدعوكم للمشاركة في حياتي… إنها حياة لا يموت فيها أحد، إنها حياة طوباوية تقدم غذاء لا يفسد، غذاء القيامة والحضور الدائم. الذي أدعوكم إليه هو هذه الصداقة مع الله ومع الروح القدس. إنه العشاء الأزلي، إنها الشركة معي… إنها مشاركتم في حياتي” (راجع خطاب 231، 5)
فلنركز أنظارنا على يسوع المصلوب ونطلب منه في الصلاة: أنر أيها الرب قلبنا لكي نستطيع السير وراءك على درب الصليب، أمِت في داخلنا الإنسان العتيق المربوط بالأنانية والشر والخطيئة. جددنا واجعلنا رجال ونساء قديسين، متحولين ومحركين بمحبتك.
نقله الى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية