زوق مصبح، الأحد 24 أبريل 2011 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة الاباتي سمعان أبو عبدو الرئيس العام للرهبانية المارونية المريمية في قداس أحد القيامة المبث مباشرة عبر محطّة LBC من دير سيّدة اللويزة التابع للرهبنة المارونية المريمية في دير سيدة اللويزة في زوق مصبح.
* * *
“يا ممالكَ الأرضِ، رنّموا لهِ، اليومَ قامَ الربُّ حقاً من بينِ الأموات” (مز68).
إنَّ قيامةَ يسوعَ هي ذُروةُ حقيقةِ إيماننا المسيحيّ. هي حقيقةٌ أساسيّة، آمنَتْ بها وعاشتْها الجماعةُ المسيحيّةُ الأولى، نقَلَها إلينا التقليدُ، وثبَّتتها وثائقُ العهدِ الجديدِ.
منذُ السنةِ ستٍّ وخمسينَ، كتبَ بولسُ الرسولُ يقولُ لأهلِ كورنثيا:
“لأنّي سَلَّمتُ إليكم أوّلاً كما تسلّمْتُ: أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا، كما هو مكتوبٌ، وأنّهُ قُبِرَ وقامَ في اليومِ الثالثِ وتراءى لبُطرُسَ وبعدئذٍ للاثني عشَرَ” (1كور15/3-4).
هذه القيامةُ، تُعتَبَرُ حدّاً فاصلاً في تاريخِ البشريَّةِ، لأنَّ ما قبْلَها يختلِفُ عمّا بعدها؛ فبعدَ القيامةِ تَجدَّدَ الكونُ وتجدَّدتِ البشريَّةُ بالمسيحِ يسوعَ؛ لأنَّ اللهَ صالحَنا مع نفسِهِ بالمسيحِ يسوعَ ووهَبَنا خدمةَ المصالحة (2كور5/17-18). لهذا، فإنَّ نظرةَ المؤمنِ إلى اللهِ وإلى ذاتِهِ وإلى القريبِ، أصبحتْ جديدةً بعدَ قيامةِ السيّدِ المسيحِ من بينِ الأمواتِ، أو يجبُ أن تكونَ جديدةً، إذا أرادَ المؤمنُ أن يكونَ حقّاً مؤمناً، يعمَلُ وفق متطلّباتِ إيمانِهِ المسيحيّ.
إخوتي أخواتي المؤمنينَ الأعزّاء!
إنَّ أولى العلاماتِ الحسّيّة للقيامةِ، هي القبرُ الفارغُ؛ حَسْبَما ما أكَّدَ الملاكُ للنسوةِ بقولهِ لهُنَّ: “لماذا تطلبْنَ الحيَّ بينَ الأمواتِ؛ ليسَ هو هنا. لقد قام” (لو24/5-6).
جَسَدُ المسيحِ لمْ يعرفِ الفساد، بل تغيَّرَ من جسدٍ تُرابيٍّ إلى جسدٍ سماويٍّ، وهذا ما ستتحوَّلُ إليه أجسادُنا نحنُ في يومِ القيامةِ الكُبرى.
فالقبرُ الفارغُ يدلُّ على أنَّ جسدَ المسيحِ المائتِ قد تبدَّلَ فأصبحَ جسداً مجيداً. لقد تغيَّرَ شكلاً، لكنَّهُ بَقيَ هو عينُهُ جوهراً.
<p>أمّا ثاني العلاماتِ الحسّيَّةِ للقيامةِ فهيَ ظهورُ المسيحِ؛ وكانَ أوَّلَ من التقاهُ مريمُ المجدليَّةُ والنسوَةُ اللواتي أتينَ ليُحَنِّطنَ جَسدَهُ (مر16/1). فكانتِ النسوَةُ أوَّلَ من بشَّرَ بقيامةِ يسوعَ، وقد ظهرَ بعدئذٍ لبُطرُسَ ثمَّ للإثني عشَرَ (1كور15/5).
تُشيرُ الأحداثُ إلى أنَّ إيمانَ التلاميذِ مرَّ بمحنةٍ كبيرةٍ تسبَّبَتْ بها آلام المعلِّمِ وموتُهُ على الصليبِ. فعلى الرّغم من أنَّه كان قد أنبَأَهُم مُسبقاً بأنَّهُ سيتألَّمُ ويُصلَبُ ويموتُ (لو12/31-32)، فقدِ استولَتْ عليهِم الخيبَةُ والخوفُ والكآبَةُ (لو24/17، يو20/19). وعندما ظهَرَ يسوعُ للأحَدَ عشَرَ مساءَ أحدِ الفِصْحِ ” وبَّخَهُم على قِلَّةِ إيمانِهم وقساوَةِ قلوبِهِم لأنَّهم لم يُصَدِّقوا الذينَ أبصروهُ بعد ما قام” (مر16/14).
لقد أنعشَ السّيدُ المسيحُ إيمانَ تلاميذه به بظهورِهِ لهم بعدَ قيامتِهِ، وألقى عليهِ ضوءاً جديداً، فأصبَحَ كأنَّهُ إيمانٌ جديدٌ سَمَحَ لهم بأن يتعرَّفوا إليه. ولَديْنا مِثالٌ حيٌّ على أثر حضورِ المسيحِ القائمِ من الموتِ، وهو شفاءُ ذلكَ المُقْعَدِ الذي سألَ بطرسَ ويوحنّا صَدَقَةً لدى دخولِهما الهيكلَ، فتَفَرَّسَ فيه بطرسُ وقالَ له: “لا فِضَّةٌ عندي ولا ذهبُ، لكنّي أعطيكَ ممّا عندي: باسم ربِّنا يسوعَ المسيحِ الناصريِّ، قمْ وامشِ. وأخذهُ بيدِهِ اليُمنى وأنهَضَهُ، ولساعَتِهِ اشتدَّتْ قدماهُ، فوثَبَ مُنتصباً، وأخذَ يمشي” (أعمال3/1-11).
إنَّ بادِرَةَ بطرسَ التي أنهضَتِ المُقعَدَ وردَّتْ إليهِ العافيةَ والفرحَ الروحيِّ، لدليلٌ على الإنسانيَّةِ الجديدةِ التي دشَّنَتْها وحقَّقَتْها قيامةُ السيِّدِ المسيحِ من بينِ الأمواتِ.
أيّها الأحبّاء!
قيامةُ المسيحِ تدعونا إلى تغييرِ ذهنيَّتِنا، لأنَّ اللهَ أحبَّنا، وجَعَلَ ابنَهُ يسوعَ يدفَعُ ثمنَ كلِّ ألمٍ وخطيئةٍ وتباعُد، لكيما نتصالحَ معهُ ومعَ أنفسنا ومعَ الآخرين، ولكيما ندخلَ معهُ فرحَ القيامةِ تائبينَ متصالحينَ عبرَ سرِّ الاعترافِ.
إنَّ القيامةَ تدعونا إلى التجدُّدِ من دونِ فقدانِ هويَّتنا الأساسيّة. وعليه، فإنّنا، إذا تضافرنا، قادرونَ على تغييرِ ما يجبُ تغييرهُ في وطننا، من دون المساسِ بمقوِّماتِهِ وميزاتِهِ وخصائصِهِ ورسالتِهِ الفريدةِ في هذا الشرقِ وفي دنيا الانتشارِ، فيقومُ كما قامَ المسيحُ ولن يكونَ عليهِ للموتِ سلطانٌ.
إنّ قيامةَ لبنانَ رهنٌ بخروجنا من نفقِ الأنانيّة، ورهنٌ بتحريرِنا من قيودِ المصالِحِ الشخصيَّةِ الضيِّقَةِ، ورهنٌ بتخلّينا عن مبدأ التزاحُمِ على فُتاتِ المغانِمِ، وعن السيرِ في الطرقِ الملتويّةِ للحفاظِ على المناصِبِ ولبلوغِ الكراسي ولاغتصابِ إراداتِ الناس.
إنَّ قضية الوجود والثبات والحفاظ على الارض والكيان في لبنان هي أكبر من الاشخاص.
وحدَهُ الحوارُ يُبَدِّدَ الشكوكَ ويَغسِلُ القلوبَ ويقودُ إلى التفاهم. أما آنَ الأوانُ لنفهَمَ أنَّه إذا تفاهمنا وتكاتفنا واتّحدنا، فمَن علينا؟!
اليومَ، أيُّها الأحبّة، وفي غمرةِ ما نحنُ فيهِ من فرحِ القيامةِ نطلبُ من سيِّدِ القيامةِ والحياة أن يبارك عائلاتنا وكنيستنا ووطننا، وأن ننعَمَ بالخيرِ النابِعِ من مجدِ انتصارِ ال
مسيحِ على الموتِ، مردِّدين: المسيح قام. حقاً قامَ. آمين.