مقابلة مع يواكين نافارو-فالز
يوحنا بولس الثاني كان شخصية بارعة في فن التواصل. يشرح لنا يواكين نافارو-فالز، الناطق باسمه وباسم الفاتيكان من عام 1984 وحتى بدء حبرية بندكتس السادس عشر، يشرح لنا سره في هذه المقابلة التي يمكن مشاهدتها على موقع www.Aleteiatv.com.
* * *
يمكننا أن نقول أن يوحنا بولس الثاني كان بابا الاتصالات الاجتماعية بامتياز، فقد كان تواصليًا بشكل مباشر وطبيعي، وبدءًا من يوم انتخابه: من أين تأتي هذه العلاقة الوثيقة مع وسائل الاتصال الاجتماعي؟
— يواكين نافارو-فالز: إنه سؤال طرحته على نفسي مرات كثيرة، خصوصًا عندما كنت أعمل معه. كيف يمكن لشخص، عاش وتربى في بيئة خاضعة للحكم الماركسي الشيوعي – حيث لم يكن الرأي العام موجودًا، وحيث لم يكن أحد يصدق الجرائد، جرائد الحزب أو تلفاز أو راديو الحزب – كيف يمكنه أن يكون حساسًا لهذه الدرجة للرأي العام. كان سؤالاً هامًا. البابا شخصية يجب أن يكون عندها كون من القيم الإنسانية والمسيحية ويجب أن يستطيع أن ينقلها. وفي زمن مثل زمننا، حيث بات التواصل أمرًا لا بد منه، وهو ركيزة كل شيء، ركيزة التواصل الإنساني، الاجتماعي، والدولي، لا يمكن لبابا روما أن يتحاشى جدلية وسائل الاتصال الاجتماعي.
أحيانًا كان البعض يسألني عن كيفية استعمال وسائل الاتصال؟ أنا أجيب: ليس الأمر مسألة استعمال وسائل الاتصال، فهذا استغلال. الموضوع هو: هل تريد أن تتواصل؟ هل تريد أن تتواصل مع الأشخاص؟ لديك وسائل الإعلام… ولذا يجب أن تقبل بقواعد وسائل الإعلام، وهي قواعد متعلقة بالوسيلة، بالتلفاز، بالراديو، بالجريدة، ويجب تقبل هذه الجدلية للتواصل بشكل فعال. وهذا ما كان يوحنا بولس الثاني يفعله. لم يكن يتوانى أمام أسئلة يمكن لوسائل الإعلام أن تولدها.
— وكيف كان يوحنا بولس الثاني يستعمل وسائل الاتصال الاجتماعي؟
— يواكين نافارو-فالز: كان يتواصل مع الحشود بشكل لم يكن يتحدث بالحقيقة مع الحشد، بل مع كل فرد يشكل جزءًا من الجماعة. وهذا الأمر كان يجذب، كان يلفت الانتباه. هذا الأمر كان يدهش عالم الاتصالات الاجتماعية. ويجب أن أقول شخصيًا، بعد 20 سنة قضيتها معه، لم أشعر يومًا بالحاجة لكي ألفت انتباه وسائل الإعلام إلى البابا.
— لقد تحدث يوحنا بولس الثاني في رسالة في يوم الاتصالات العالمي 1987 عن “استراتيجية الثقة”. وقد دعا وسائل الاتصال لكي تكون حاملة ومشجعة لهذه الاستراتيحية. ما هي؟
— يواكين نافارو-فالز: الثقة المتبادلة، الثقة المتبادلة. ما معنى الثقة المتبادلة مع وسائل الإعلام؟ تعني أنه يمكننا أن نتواصل حول كل شيء، حتى حول المرض، حول الألم، حول الشكوك. الأمر الوحيد الذي لا يمكن التواصل فيه هو الرياء. على هذا الأساس يقوم رباط ثقة متبادلة بين من يحمل رسالة ومن ينقلها، بين من يُطلق الرسالة ومن ينشرها. لقد وجدنا أنفسنا ونحن نتحدث عن مواضيع عدة كانت محط جدل عادة في إطار النقاش العام، ولكن لم يكن هناك يومًا شكٌ حول صفاء نية وصدق البابا في نقله للرسالة. كانت حقة استراتيجية الثقة المتبادلة.
— ما كان رأي يوحنا بولس الثاني في دور الصحفيين؟
— يواكين نافارو-فالز: كان يفكر أولاً في الأشخاص العاملين في حقل وسائل الاتصال. أذكر حدثًا صغيرًا. أخبركم عن حدث صغير. مرة قام شخص علنًا بإطلاق حكم غير صحيح حول حالة البابا. فقلت للأب الأقدس. هذا الشخص هو غير عادل حقًا. صمت الأب الأقدس لبرهة ثم قال لي: “من يعلم المشاكل التي كان يمر هذا الصحفي، أي هذا الشخص، بها في عائلته، مع زوجته، مع أولاده، المشاكل الاقتصادية، أو العاطفية”.
ولذا البابا لم يكن يتعامل مع وسائل الاتصال الاجتماعي كشيء لا يوجد فيه أشخاص، لظاهرة لا يُعرف من يُطلقها، بل كان ينظر إلى الأشخاص الأفراد. وعندما كان ذلك ممكنًا، كان يسعى ليقيم علاقة مباشرة مع الصحفيين. وهذا الأمر كان يحدث غالبًا خلال الأسفار الطويلة عبر القارات في الطائرة. أذكر مرة أنه دعا صحفي للعشاء معه في الطائرة خلال سفرة كان عائدًا فيها من المحيط الهادئ. ولم يكن ذلك بغية تقديم تصريحات علنية. ففي الكابين الصغيرة حيث كان البابا لم يكن ممكنًا استقبال كل الصحفيين، ولذا قال لي: “اجلب لي أقله صحفيًا واحدًا”. وذلك الرجل كان متفاجئًا جدًا لتناوله الطعام مع قداسة البابا في الطائرة. كان أمرًا مذهلاً.
— هل كان يوحنا بولس الثاني يطلب نصائح ذات طابع تقني، مثل السؤال عن كيفية يجب أن يتصرف أمام الكاميرا؟
— يواكين نافارو-فالز: كان البابا يثق بالمهنية. ولا أتحدث عن مهنيته على الصعيد الشخصي، بل أيضًا بمهنية الجميع، بما في ذلك معاونيه. أسرد خبرًا حول هذه النقطة. دعاني مرة إلى العشاء، وفي أوقات الغذاء والعشاء كنا نتحدث عادة عن أمور العمل. أعلمني أنهم اكتشفوا له سرطانًا في الأمعاء، وكانوا يظنون أنه سرطان خطير. وأخبرني عن مختلف التفاصيل. وقال لي: “نهار الأحد، بعد صلاة التبشير الملائكي، سأقول كلمة فقط عن هذا الموضوع. وسأقول، صلوا لأجل البابا الذي يجب أن يمضي إلى المستشفى. ولكن أنت تعرف كافة الأمور، ولذا أترك لك خيار ما هو مستحسن أن أقول”. أقدم هذا فقط كمثل عن ثقته بمسؤولية ومهنية الآخرين. أحيانًا كان يطلب النصائح. هذا لا يعني أنه كان يتبعها دائمًا. فهو من كان يقرر. ولكنه كان يطلب النصح غالبًا. في ما يتعلق بموضوع عدسات الكاميرا، نعرف أن كل شخصية عامة – ولسنا نتحدث فقط عن مستوى البابا بل ع
ن مختلف المستويات، حتى البسيطة منها – عندما تظهر علنًا يقول لها المستشار: “عندما تقول أمرًا حميميًا، انظر نحو اليمين لأن الكاميرا ستضعك في الواجهة، وعندما تقوم بحركات بالجسد انظر إلى كاميرا أخرى، إلخ…”. صراحة لم يبادر إلى ذهني أن أقل يومًا للبابا ماذا يجب أن يفعله في هذا المجال: لا في الاحتفالات العامة، في الليتورجيات ولا في خطاباته في الأمم المتحدة، أبدًا.
أذكر تعليق جريدة وطنية أميريكية على رحلة البابا إلى الولايات المتحدة في عام 1987، وقد حللت الجريدة على شخصية البابا في ظهوره على التلفاز. ومما قيل في المقال “هذا الرجل يسيطر على وسائل الاتصال، يمكننا أن نقول أنه يثقب الشاشة بحضوره، وذلك لأنه يتجاهل أن هناك التلفاز”. وذلك لأنه يخلق من خلال الحقيقة التي يقولها، يخلق المناخ ولا يهمه إذا كانت الكاميرا هناك أو لا. الكاميرات هي التي تتبعه وليس هو من يتبع الكاميرات. من الواضح أن محور ما يقوله هو رسالة هو مقتنع بها بالكامل. ولذا لا يجب أن يقوم بجهد خاص لكي يقنع الآخرين. لم يكن أبدًا يحب أن يربح الأشخاص بل أن يقنعهم. وكان يظهر في صورة هي خاصة، وكانت أصيلة بدرجة مدهشة.
لقد كان الشاهد الأفضل لذاته. كان هو صورته وكان يستطيع أن يقنع الناس أن أفكاره ورسالته هي صحيحة. وكان هناك تماسك كبير بين المضمون الفكري والتعبير عن أفكاره.
(نقله إلى العربية روبير شعيب)