بقلم روبير شعيب

روما، الخميس 14 أبريل 2011 (Zenit.org) – " هناك ميل في أكثر الأحيان إلى التفكير بأن القداسة هي غاية مخصصة لنخبة نادرة. بالمقابل، يتحدث القديس بولس عن التدبير الإلهي العظيم قائلاً: "هكذا كان (الله) قد اختارنا فيه (المسيح) قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين بلا لوم أمامه. إذ سبق فعيننا في المحبة""، بهذه الكلمات أراد البابا بندكتس السادس عشر أمس الأربعاء أن يحث المؤمنين الحاضرين في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان على التفكير بالدعوة العامة إلى القداسة الموجهة لكل مؤمن بالمسيح، والتي غالبًا ما يُظن أنها حكر على بعض المختارين.

جاء تساؤل البابا عن معنى القداسة كتكليل للتعاليم التي كرسها منذ سنتين لشخصيات القديسين في الكنيسة، والتي أراد من خلالها أن يرى المسيحيون كيف "يُظهر القديسون بطرق مختلفة الوجود القدير والمبدِّل للقائم من بين الأموات" وذلك لأنهم سمحوا للمسيح بأن يملك على حياتهم بالكامل حتى استطاعوا أن يقولوا مع القديس بولس: "وفيما بعد لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فيّ".

وأشار بندكتس السادس عشر أن الحديث عن القداسة هو موجه إلى الجميع لأن محور التدبير الإلهي هو يسوع المسيح الذي يُظهر وجه الله، وجهًا قريبًا، منظوراً، ملموساً، ومسموعاً لكي يغرف الجميع من كمال نعمته وحقه. وعليه، فالاقتراب من المسيح والعيش معه وفيه هو دعوة إلى عيش ملء قداسته.

وأضاف البابا شارحًا: "القداسة، كمال الحياة المسيحية، لا تقتضي إنجاز أعمال استثنائية بل الاتحاد مع المسيح، وعيش أسراره، وجعل مواقفه وأفكاره وتصرفاته خاصتنا. إن مقياس القداسة يعطى من خلال درجة القداسة التي يبلغها المسيح فينا، من خلال مدى عملنا بقوة الروح القدس على تكييف حياتنا كلها مع حياته".

وتابع: "إنه مشابهة يسوع، كما يقول القديس بولس: "لأن الذين سبق فعرفهم، سبق فعينهم أيضاً ليكونوا مشابهين صورة ابنه""، وعليه لا توجد إلا قداسة واحدة ينميها جميع الذين يرشدهم روح الله والذينيتبعون المسيح الفقير والمتواضع الذي يحمل صليبه، لكي يستحقوا أن يكونوا شركاء في مجده".

 

طريق القداسة: المحبة

وتساءل البابا عن الطريق الذي يجب السير فيها نحو القداسة: "كيف نسلك طريق القداسة، ونستجيب لهذه الدعوة؟ هل أستطيع فعل ذلك بقدراتي الخاصة؟".

وأجاب: "الحياة المقدسة ليست بشكل رئيسي ثمرة جهودنا وأعمالنا، لأن الله القدوس ثلاث مرات هو الذي يجعلنا قديسين، وعمل الروح القدس هو الذي يحيينا من الداخل، وحياة المسيح القائم من بين الأموات هي التي تُكشف لنا وتبدلنا".

وعليه فالقداسة تنشأ بشكل رئيسي عن نعمة المعمودية، عن كونها "ولوج في  السر الفصحي للمسيح الذي به تُكشف لنا روحه وحياته كقائم من بين الأموات".

والمحبة هي جوهر هذه القداسة لأن "الله محبة. ومن يثبت في المحبة، فإنه يثبت في الله، والله يثبت فيه" (1 يو 4، 16). المحبة هي الهبة الأولى التي تجعلها نسلك في طريق القداسة، وهي ليست جهدًا بشريًا بل هبة من الله يفيضها الله بروحه القدوس فينا.

وعليه "إن المحبة التي تجعلنا نحب الله فوق كل شيء والقريب محبةً به هي الهبة الأولى والأكثر ضرورة".

وأردف: "ولكن، لكي تنمو المحبة كبذرة جيدة في الروح وتثمر، ينبغي على كل مؤمن أن ينفتح على كلمة الله، ويتمم مشيئته بمعونة نعمته، ويشارك بكثرة في الأسرار، بخاصة في سر الافخارستيا، وفي الأعمال المقدسة، وينكب بمثابرة على الصلاة، على إنكار الذات، على الخدمة الفعالة لإخوته وعلى ممارسة جميع الفضائل".

هذا واستشهد البابا بكلمة القديس أغسطينوس الشهيرة حيث يقول: "أحبب وافعل ما تشاء". فالقديس يشرح هذا التعبير قائلا: "إن سكتت، فاسكت بدافع المحبة؛ إن تكلمت، تكلم بدافع المحبة؛ إن أصلحت، أصلح بدافع المحبة؛ إن غفرت، اغفر بدافع المحبة؛ ولتكن فيك جذور المحبة لأن لا شيء يصدر عن هذه الجذور إلا الخير". من يسمح للمحبة بإرشاده، من يعش المحبة بالكامل، يرشده الله لأن الله محبة. هذا ما يعنيه هذا القول العظيم: Dilige et fac quod vis، "أحبب وافعل ما تشاء".