وبما أنّ ميلاد السيد المسيح يضعُنا أمام طفل وُلد على أرضنا المباركة ويدعوه المؤمنون أميرَ السلام وإله السلام، وبما أن رسالته إلينا هي رسالةُ سلامٍ ومحبة ومغفرة وتضامن، فنريد أن نطلب منه في صلاتنا هذه السنة بالخصوص أمرًا واحدًا: السلام، وقبل السلام المصالحة. فالسلام يُكتب على الأوراق والمعاهدات، بينما المصالحة تتم في القلوب. أقول المصالحة لأنه:
– مهما كان تطوّر الأوضاع في الأردن أو هذا البلد أو ذاك من البلاد العربية، فالطريق الوحيد هو المصالحة.
– المصالحة عملٌ إيمانيّ، نعمةُ نطلبها من الله تعالى، وهي في نفس الوقت عملٌ إنساني واجتماعي من الطراز الأوّل.
– المصالحة ضرورية لتضميد الجراح وتجاوز العداوات والأحقاد وبناء جسور الثقة والحوار، بعد مرحلة سادتها الفوضى والظلم والقتل والتدمير.
– المصالحة ضرورية لإعادة بناء المدن والبلاد المُدمّرة، ولإعادة بناء البشر والشجر والحجر، ولإحياء التضامن بين أبناء الله جميعًا ودعم المتضرّرين والنازحين والمهجّرين.
– المصالحة ضرورية لعودة المحبّة إلى القلوب والبيوت والمجتمعات. فبدون المحبة تصبح الحياة جحيمًا لا يُطاق.
– المصالحة هي مستقبل الأردن ومستقبل سوريا الشقيقة ومستقبل بلاد الشرق الأوسط والبلاد العربية عمومًا ومستقبل البشرية، وهي الحلّ الوحيد لأزماته، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية. لنتعلّم من التاريخ، فقد عاشت أوروبا حربين عالميتين في القرن الماضي راح ضحيتها عشرات الملايين من الضحايا. لكنها نبذت العنف وتوصّلت إلى المصالحة، في أوروبا على الأقلّ، على مستوى الدول كما على مستوى الشعوب والأفراد، ولهذا ازدهرت.
هذه هي أمنيتنا في عيد الميلاد المجيد هذه السنة. وهذه هي صلاتنا، وهذا ما نطلبه من الطفل الإلهي الذي يقول عنه القديس يوحنا في إنجيله أنه ” أتى ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد” (يوحنا 11، 52).
نتمنى لجميع المسيحيين ولجميع أبنائنا في الوطن الأردني الغالي، أعيادًا مجيدًة، وسلامًا حقيقًّا في القلوب وفي المجتمعات، ونطلب من الله البركة والحماية لبلدنا العزيز، ونطلب الحكمة والشجاعة لسيّد البلاد، الملك عبد الله الثاني، حفظه لله ورعاه ليقود الأردن إلى برّ الأمان الحرية الكرامة.
وكل عام وأنتم بخير.
المطران مارون لحام
مطران اللاتين في الأردن