في هذه المقالة نستعرض صورة أخرى من تلك الصور وهي مفهوم الطقس.
2. مفهوم الطقس
إحدى النقاط الهامة والتي تعتبر مركزية في تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني هي مفهوم الطقس.
كلمة “طقس” ليست ابتكاراً مسيحياً، فالكلمة موجودة من قبل المسيحية، ويُقصد بها إدارة و طرق تقديم الذّبائح. مع الوقت كلمة “طقس” بدأت تشير إلى كيان مجموعة من النّاس في علاقتهم مع الله ومع الأشياء المكرّسة له، أي الكيان الديني لمجموعة من النّاس خلال العصور المختلفة. وكانت تشير ايضاً للإطار اللّيتورجي؛ فتشير الى جزء من اللّيتورجيا، مثل طقس رش المياه، او طقس مزج الماء بالخمر في القداس، وتشير الى إجمالي الّليتورجيا مثل طقس العماد. كما تشير الى اجمالي اللّيتورجيات لمجموعة من المؤمنين؛ فيقال الطّقس الرّوماني، او الطّقس القبطي..الخ.
أخذت كلمة “طقس” أيضا، معنىً قانونياً؛ فأصبحت تشير الى مجموعة العادات والتّقاليد بل والقوانين والتّشريعات لمجموعة معينة من المؤمنين. فكلمة “طقس” كانت تشير الى معانٍ كثيرة ومختلفة عن بعضها البعض.
مع المجمع الفاتيكاني الثاني، تأتي كلمة طقس ولأول مرة معرفة بطريقة واضحة فينص في القرار المجمعي “الكنائس الشرقية” على: “إن هذه الكنائس الخاصة – المقصود بها الكنائس الشرقية الكاثوليكية – في الشرق والغرب على السواءِ، تختلفُ في ما بينها بعض الاختلاف من حيث الطقوس، اي في الليتورجيا والنظام الكنسي والتراث الروحي” (3).
من هذا نستنتج ان الطقس هو التراث الليتورجي والنظامي والروحي لكنيسة ما.
في دستور “نور الأمم” يضيف تعبير “التراث اللاهوتي” على الطقس (23). وبهذا يكون الطقس هو التراث: الليتورجي والنظامي والروحي واللاهوتي لجماعة معينة من المؤمنين.
في مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، اتّخذت كلمة “طقس” تعريفاً محدداً، متبعا بذلك تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني. فالقانون 28 البند 1 ينص على ان: “الطّقس هو التّراث الليتورجي واللاهوتي والرّوحي والتّنظيمي المختلف بالثّقافة وظروف الشّعوب التّاريخيّة، والذي يعبّر عن الطريقة الخاصة بكل كنيسة ذات حق خاص في حياة الإيمان”.
من خلال هذا التّعريف يتّضح لنا ان القانون الشّرقي وجّه كلمة “طقس”، نحو التّاريخ وتراث الجماعة وتطورها. الطّقس لم يعد يشير الى التّنظيم الحالي للجماعة، بل الى التّراث الدّيني لجماعة ما؛ تراث ليتورجي ولاهوتي وروحي وتنظيمي ايضاً، ويجعلها على ما هي عليه الآن.
هذه الطقوس التي يقصدها القانون الشرقي هي: “النابعة من التقليد الأرمني والإسكندري والأنطاكي والقسطنطيني والكلداني” (ق 28 بند 2). فالقانون يكمل هذا التعليم المجمعي بتحديد أصل هذه الطقوس.
بذلك لم يعد المقصود من الطقس هو كنيسة في حد ذاتها. فمع المجمع وبطريقة اكثر وضوحا في مجموعة القوانين تم فصل تعبير “الكنيسة ذات الحق الخاص” عن “الطّقس”. وهذا تطور قانونيّ كبير ينبع من الاكليزيولوجيا (علم الكنيسة) الجديدة للمجمع الفاتيكاني الثّاني. هذه الاكليزيولوجيا تحث على اكتشاف أهمية وكرامة وغنى الطّقوس الشّرقية. فالطّقس عندما كان يشير (وبكل بساطة فقط) الى مجموعة من المؤمنين الذين يمارسون إيمانهم في ليتورجيات مختلفة عن الآخرين كان يغفل عن الكثير من الغنى الذي يحمله هذا الطّقس من تراث روحيّ ولاهوتيّ ونظاميّ والذي منه استقت اليوم، كنيسة ما ذات حق خاص جذورها، ونمت وتطورت.