الباب السابع من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية، يعرض كل ما هو يخص الأساقفة والإيبارشيات. وفي هذا الإطار يعطي مفهوم الرعية ودور الرعاة. هذا الأمر يوضح قصد المُشرع في ربط الرعية والراعي بالايبارشية والأسقف مباشرة. هذه العلاقة هي أساسية ولا غنى عنها وبدونها تفقد الرعية هويتها ويفقد الراعي سلطته. الرعيّة هي جماعةٌ معيّنةٌ من المؤمنين، مُقامة في إيبارشية ما على نحو ثابت، تُعهد العناية الرعوية بها إلى راع (ق 279). وهنا نرى ثلاث عناصر أساسية لتكوين أي رعية: 1. جماعة معينة من المؤمنين؛ فالمقصود بالرعية ليس المبنى او المكان الذي يتلاقى فيه الأشخاص، لكن هي جماعة معينة، أي محددة من المؤمنين في ايبارشية ما. هذا التحديد لهذه الجماعة يكون على معيار معين وهو: جغرافي او شخصي. – المعيار الجغرافي: فالرّعية عامة، تحدّد حسب المنطقة الجغرافية، ينتمي اليها مؤمنو نفس الكنيسة، المقيمون داخل حدود تلك المنطقة. قبل المجمع الفاتيكاني الثّاني كانت الرّعية تُعرّف بانّها قطعة الأرض، او الرّقعة الأرضية التّابعة للكنيسة ويسكنها المؤمنون. مع التّجديد الكنسي للمجمع، الرّعية أصبحت جماعة معينة من شعب الله. اي انّ التّعريف تخطّى مبدأ الرّقعة الأرضية البحتة وعرف الرعية بالمؤمنين، وان ابقي على أهميته ولكنه لم يعد أساسي كما كان من قبل. بهذا يفتح المجمع معيار آخر لتحديد الانتماء للرّعية؛ – المعيار الشخصي: بدأ هذا المعيار ينبع من التّطور الاجتماعي، وبالأخص بسبب ظاهرة الهجرة. فهو محاولة من الكنيسة لسدّ احتياجات المؤمنين المهاجرين. والمقصود به أن ارتباط الشّخص وانتمائه لرعية ما لا يحدّد حسب مبدأ المنطقة الجغرافية التي يسكنها، بل حسب مبدأ شخصي. بمعنى هوية مرتبط بها؛ كاللّغة، الطّقس، او الجنسية. اي ان تحديد انتماء المؤمن لرعية ما لا يعتمد على مكان السكن بل على احد مظاهر هويته الشّخصية. فقد يكون ساكنا في منطقة ولكن نظراً لهويته الخاصة ولتكن الطقس القبطي مثلا، فهو ينتمي الى رعية أخرى وان كانت خارج حدود مكان سكنه، لان بمكان سكنه لا توجد رعية قبطية. هذا المعيار يساعد العديد من أقليات مؤمني الكنائس الشرقية ذات الحق الخاص في بلاد الانتشار. حيث تكون نفس الرّعية – والمقصود بها هنا الكنيسة المبنية – لخدمة العديد من هؤلاء المؤمنين. حيث يكون المؤمن منتمٍ اليها حسب طقسه الخاص. وبهذا لا حاجة الى إنشاء رعّية خاصة لكلّ أقلية، بل نفس الرّعية تخدم كلّ من تلك الأقليات حسب طقسها الخاص. هذا الامر يتطلب اكليروس ذو تكوين خاص لتلك الخدمة. تكوين يتميز بالانفتاح على الطّقوس الأخرى ومعرفتها وأيضا ممارستها كي يستطيع ان يلبي احتياجات مؤمني تلك الكنائس حسب طقسهم الخاص. لانه في اغلب الاحيان، ليس من السّهل ارسال لكلّ أقلية، كاهن خاص بها من طقسها الخاص، نظراً لنقص الدّعوات الكهنوتية. مما سبق يتضح ان الرعية هي جماعة معينة من المؤمنين، تم تحديدهم حسب الموقع الجغرافي او حسب معيار شخصي. لكن يوجد شرطين اخرين: 2. محددة على نحو ثابت وغير متغير باستمرار؛ هذه الرعية ثابتة، لا يتغير معيار التحديد السابق باستمرار، بمعنى انه اذا ثبتت الرقعة الجغرافية، لا يمكنها ان تتغير باستمرار، او اذا ثبت معيار شخصي معين، لا نستطيع تبديله وتغيره باستمرار. فعامل الاستمرار هام كي يثبت هذه الجماعة من المؤمنين. 3. وجود راعي (كاهن) لها. فالرعية لا تتكون بدون راعي، وهو كاهن يقوم بخدمتها ويكون الممثل عنها. الرّعية بشكل عام اذا هي مؤسسة (اي كيان مستقل، له حقوق وواجبات). يرجع أصلها في الشّرق الى القرن الثّاني، بينما في الغرب بدأت تظهر في القرن الرّابع ميلادي. كلمة رعية باللغة اليونانية تعني “مكان النزيل”، اي الغريب والذي يتجول في مكان ما، يجد مكان لاستضافته أثناء غربته. هذا هو معنى الكلمة. مكان استضافة الغريب والنزيل. كم هو عميق هذا المعنى اذا اعتبرنا ان المسيحي هو نزيل في هذا العالم ويحتاج الى مكان يستضيفه الى حين رجوعه لبيته الاصلي: السماء. البابا بولس السادس خصّص العديد من أحاديثه عن الرّعية، وأهميتها، ودورها في حياة المؤمنين، مؤكداً أنها اوّل عائلة روحية تستقبل المؤمن بعد عائلته الخاصة، فيها يتقبل الأسرار وينشأ على الإيمان. فالرعية، ليست فقط المكان الذي يحتفل به المؤمنين بالطقوس، لكنه وسط يتم فيه التنشئة على الإيمان للمعمدين. البابا يؤكد: “لذا يجب ان تواكب الرعية احتياجات المؤمنين في كلّ عصر فعليها ان تتجدّد في الرّوح والتّنظيم”[1].
Congregazione per i Vescovi, Direttorio Ecclesiae imago de Pastorali Ministerio Episcoporum (22 febbraio 1973): Ench. Vat. 4, 2310-2311.
–