تعليق الكردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي حول إعلان تخلي البابا بندكتوس السادس عشر عن مهامه

ما أجملها أمثولة لكلِّ صاحب مسؤوليّة في الكنيسة والمجتمع والدولة!

Share this Entry

 تسلّمتُ مساء أمس الثلاثاء من يد سيادة السفير البابوي المطران Gabriele Cacciaالنصّ الرسمي لإعلان قداسة البابا بندكتوس السادس عشر عن عزمه على التخلي عن “خدمته كأسقف روما، خليفة القديس بطرس، التي أُوكلت إليه بأيدي الكرادلة في 19 نيسان 2005، بحيث يصبح كرسي روما، كرسي بطرس، شاغراً ابتداءً من 28 شباط 2013، في الساعة الثامنة مساء (بتوقيت روما)”.

هذا الإعلان الذي فاجأ العالم كلّه يترك في القلوب صدمة إيجابيّة وقدوة مثاليّة، بكونه فعل إيمان كبير وشجاع ومخلص في “سنة الإيمان”التي سبق وافتتحها قداسة البابا في 11 تشرين الأوّل 2012. وكأنّي به يعطي أمثولة عظيمة للعالم كلّه عن أنّ الإيمان فعل حبّ كبير للمسيح وكنيسته، وفعل تسليم مطلق لإرادة الله، وفعل تجرّد عميق من الذات وتواضع.

إنّ الأب الأقدس، بإعلانه هذا، بلغ الذروة في مفهوم المسؤولية وفي الشجاعة على ممارستها. فقد قال: “إنّ قراري ذا أهمية كبيرة لحياة الكنيسة … لأنّ إدارة سفينة القديس بطرس وإعلان الإنجيل يقتضيان حيويّة الجسد والروح. هذه القدرة تناقصت فيّ، في هذه الأيّام الأخيرة، بحيث أنّي أعتبر نفسي غير قادر على حسن القيام بالخدمة التي أوكلت إليّ”.

ويعطي الحبر الأعظم أمثولة في مفهوم الخدمة البابوية، “من حيث جوهرها الروحي: إنّها تستوجب إتمامها ليس فقط بالأعمال والكلمة، بل أيضاً وليس أقلّ، بالألم والصلاة… ولذا آمل التمكّن من أن أخدم من كلّ قلبي، أيضاً في المستقبل، كنيسة الله المقدّسة بحياة مكرّسة للصلاة”.

وهكذا يرتفع بنا أبو المؤمنين إلى قمم الروح ليعلّمنا أهميّة الصلاة التي تسند الأفعال “في عالم اليوم، يقول، الذي يشهد تبدّلات سريعة، وتحرّكه مسائل كبيرة الأهميّة من أجل حياة الإيمان، وإدارة سفينة القديس بطرس وإعلان الإنجيل”. فيدعونا جميعاً لنكل بالصلاة كنيسة الله المقدّسة إلى عناية راعيها الأعظم، ربّنا يسوع المسيح، ملتمسين من أمِّه القديسة، مريم، أن تعضد بجودة الأمّ الآباء الكرادلة في انتخاب حبر أعظم جديد”.

ما أجملها أمثولة لكلِّ صاحب مسؤوليّة في الكنيسة والمجتمع والدولة! إنّ ممارستها شأن متعلّق بضمير المسؤول الذي ينبغي الرجوع إليه باستمرار، لسماع صوت الله في أعماق نفسه، ويسأل ضميره: هل يقوم حقّاً بواجباته في تأمين الخير العام، الذي منه خير كلّ واحد وخير الجميع؟ ولهذا أعلن قداسة البابا: “إنني من بعد أن فحصتُ ضميري أمام الله، مرّات عديدة، بلغت إلى اليقين بأنّ قواي، بسبب تقدّمي في السنّ، ليست قادرة على ممارسة الخدمة البطرسيّة بما يفي بالحاجة”. وأعلن بالتالي أنّه يتّخذ قرار الاستقالة “بإدراكه الكامل لخطورة الفعل، وبملء حريته”.

ويرتقي قداسته إلى ذروة التواضع في المسؤولية إذ ينهي إعلانه “بشكر الكرادلة على كلّ المحبة والعمل، وقد حملوا بهما معه ثقل خدمته، وبالتماس المغفرة عن كلّ نواقصه”.

إلى قداسة البابا بندكتوس السادس عشر نرفع شكرنا البنوي ومحبتنا الكبيرة له مع صلاتنا الدائمة، لا سيّما أنّه خصّ لبنان من أيلول إلى اليوم بثلاث مبادرات كبيرة دلّت على محبّته العظيمة للبنان وتطلّعاته إلى ما له من رسالة ودور في الشَّرق الأوسط.

– زيارته الراعوية للبنان، وتوقيع الإرشاد الرسولي: “الكنيسة في الشرق الأوسط، شركة وشهادة” (14-16 أيلول 2012).

– منح البطريرك الماروني رتبة الكردينالية لمزيد من الدفع في خدمته البطريركية على مستوى الكنيسة الجامعة (24 تشرين الثاني 2012).

– تكليف شبيبة لبنان إعداد تأمّلات مراحل درب الصليب التي يحتفل بها قداسة البابا في ساحة الكوليزي بروما، ليل الجمعة العظيمة 29 اذار 2013، مبادلة منه لشباب لبنان على لقاء بكركي في 15 ايلول 2012 الذي ترك في قلبه أثراً كبيراً.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير