ننقل لكم في ما يلي تأمّل محرر لوسيرفاتوري رومانو جيوفاني ماريا فيان حول استقالة البابا بندكتس السادس عشر.
* * *
إنّ تنازل بندكتس السادس عشر عن البابويّة هو حدث لم يسبق له مثيل وقد تداوله الجميع حول العالم. بحسب ما أعلن البابا بوقارة أمام مجموعة من الكرادلة إن الكرسي الرسولي في روما سيصبح شاغرًا، وفورًا بعد ذلك سيُعقد الكونكلاف لانتخاب خليفة القديس بطرس. تحدّث البابا عن ذلك في نصّ قصير كتبه وقرأه في الكونسيستوار.
وقد اتّخذ البابا هذا القرار قبل أشهر بعد زيارته إلى المكسيك وكوبا، ولم يعلم أحد به وقد فكّر البابا ملياً مراراً وتكراراً أمام الله، نظراً لكبر سنّه. كما شرح بندكتس السادس بأنّ قوّته “لم تعد كافية ليقوم بعمله على أكمل وجه” نظراً للمهمّة العظيمة المتطلّبة من الذي ينتخب “ليكون خليفة القديس بطرس ويبشّر بالإنجيل”.
لهذا السبب فقط، كان الحبر الروماني “مدركاً تماماً جدية هذا القرار وقد اتخذه بكامل حريته”، متخليًا عن خدمة أسقف روما الموكلة إليه منذ 19 أبريل 2005. وقد بيّنت كلمات بندكتس السادس عشر عن مدى احترامه للمتطلبات التي نصّ عليها القانون الكنسي باستقالته من لا نموذج آخر لها في العالم نظراً لقيمتها الفعلية وأهميتها الروحية.
من المعروف أنّ الكاردينال راتزنغر لم يسعَ بأيّ شكل من الأشكال إلى انتخابه كبابا والذي كان الأسرع في التاريخ وقد قبل به ببساطة الشخص الذي يأتمن الله على حياته. لم يشعر بندكتس السادس عشر بالوحشة أبداً ويعود ذلك إلى تشاركه علاقة يومية وحقيقية مع الله الواحد الذي يغمر بحب حياة كلّ إنسان وإلى الشراكة الحقيقية بين القديسين بالإضافة إلى حب مساعديه وجهدهم والصلاة المستدامة وتعاطف الكثيرين من المؤمنين وغير المؤمنين.
وقد تمّ تسليط الضوء أيضاً على استقالته التي كانت حرّة وواثقة في العناية الإلهية. كما أنّ بندكتس السادس عشر على أكمل دراية بأنّه نظراً لأهمية طبيعة الخدمة البابوية الروحية، فهي تتمّ أيضاً من خلال الصلاة والمعاناة وقد شدّد على أنّ العالم اليوم الذي يواجه موجة تغيرات سريعة وأسئلة كبيرة تعنى بحياة الإيمان، من الضروري تمتّع البابا بالقوة الفكرية والجسدية وهي قوة تتراجع في داخله.
في هذه الكلمات التي توجّه بها البابا إلى الكرادلة والذين فوجئوا وتأثروا، ومع قراره هذا الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الكنيسة، بيّن عن وضوح وتواضع في قبوله للواقع وللحياة. وبالتالي، بعد أن شعر بعدم تمكّنه من الاستمرار في أعماله أعلن عن اعتزاله. ومع مثل هذا القرار المثالي الإنساني والروحي الذي يبيّن مدى نضوج البابا منذ بداية مهامه التي طالت حتى 8 سنوات، لم يفشل بإدهاش الجميع ممّا سيترك أثراً كبيراً في التاريخ، وهو تاريخ يقرأه البابا بثقة في خطة الله للمستقبل.
* * *