لدينا بابا …. سابق

وفي هذا المصطلح… أبلغ الدروس

Share this Entry

اعتدنا على سماع كلمة ” لدينا بابا ” Habemus Papam في كل مرّة ينتخب مجلس الكرادلة في الاجتماع الانتخابي السريConclave حبراً أعظم جديداً. إلا أننا وفي هذه الأيام نحاول أن نعوّد آذاننا على سماع كلمة “لدينا بابا سابق”. وهي الصيغة التي تكلم عنها الناطق الرسمي باسم الفاتيكان. وقد كنّا معتادين على سماع كلمة أخرى هي “البابا الراحل” ذلك أن الوفاة كانت هي سبب الدعوة إلى انعقاد مجلس الانتخاب.

أمام هذا القاموس الجديد علينا نحن أبناء هذا العصر، لا نملك إلا أن ننحني إجلالاً للبابا بندكتس السادس عشر الذي أطل يوم الأحد من النافذة الشهيرة كما اعتدنا عليه طوال ثمان سنوات ليعطي منها البركة الأخيرة. انها تذكرنا ببركة يوحنا بولس الثاني الأخيرة التي كانت نهار الفصح المجيد، ولم يستطع يومها أن يتلفظ بكلماتها، إلا أن العالم حيّاه وقتها بحرارة بالغة احتراماً له في وهن الجسد وسنه المتقدمة. وفي جنازة البابا الراحل، التي ترأسها البابا السابق نظر إلى النافذة إياها، وقال لقد عوّدنا على بركته طوال سبع وعشرين سنة، وهو سيكمل بركاته علينا من السماء. وقد حظي البابا بندكتس بأن يترأس حفل تطويب (اعلانه طوباويا) سلفه يوحنا بولس الثاني، وكانت واحدة من أعز اللحظات على قلبه طوال فترة حبريته.

بندكتس حيّا الجماهير بصحة لا بأس بها. وبدا مسروراً بقراره، ذلك انه يترجّل عن السلطة، لا عن الخدمة، وهذا الكلام له :” لن أتخلى عن الكنيسة – سأخدمها بصلاتي “. ولعل هذا الكلام لا يفهمه إلا من هو ممتلئ من الحياة الروحية الداخلية ومن الشجاعة – ومن الصراحة مع الذات- التي يستطيع صاحبها أن يقول “كفى” ! لقد شبعت من هذه الحياة الصاخبة والمكتظة بتجارب الشعبية ، وأنا أترجل وأختفي عن الأنظار لكي أتفرغ… للصلاة، وأحضر نفسي من خلالها لمقابلة الديان العادل. 

بهذه الروحية العالية والكلمة الوقورة نفهم قرار البابا الألماني بالتنحي عن واحدة من أهم الرسالات في العالم، ونقول رسالات وليس مهنة أو حرفة، فهذه يزاولها الانسان في سبيل ربح مادي. أمّا تلك فجزاؤها ومكافأتها لا تُرى على الأرض، انمّا هي هناك … في دار البقاء.

صحيح ان للبابوية تسميات بشرية مثل رئيس دولة، رئيس الكرسي الرسولي الممتد في العالم عبر السفارات البابوية، الا ان الجوهر هو خدمة روحية يعيش صاحبها بنزاهة عن حكم الأرض وسياساتها. ورغم ان البابوات في الماضي السحيق كانوا يجمعون بين سلطات روحية وزمنية، الا أنهم اليوم قد تنزهوا ونأوا بنفوسهم عن التنافس على المناصب وعن الازدواجية بين الدين والمدني ، أو بين الديني والسياسي، وأصبح دور البابا روحياً تعليمياً تقديسياً وارشادياً، وأصبح ذا نفوذ معنوي على هويات الأشخاص الروحية، دون تداخل أو دون ذوبان ما بين الزمني والروحي، ودون تدافع على الكرسي مع ذوي المناصب الدنيوية.

البابا قد اتخذ قراراً جريئاً وشجاعاً قلَ نظيره، وهو في خروجه المشرّف الذي نال استحسان الملايين من البشر الذين يصلون من أجله في هذه الأيام، يُقدّم بهذا الخروج الارادي درساً بليغاً وهو ان السلطة خدمة، وإذا تعب الجسد وتقدّم السن وما استطاع الانسان بعد أن يقدّم خدمة مع السلطة، فانه يترك السلطة جانباً ويبقى خادماً… بالصلاة والدعاء.

نعم : لدينا بابا … سابق

وفي هذا المصطلح… أبلغ الدروس

مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام

Abouna.org@gmail.com   

Share this Entry

الأب رفعت بدر

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير