لحل هذه المشكلة، علينا الإنطلاق من الإنسان وليس من الله. فكل إنسان “يؤمن به” (أي بإبن الله)، كما تقول الآية، ينال الحياة الأبدية. فالقضية، كل القضية بيد الإنسان والله “لا يستطيع” شيئاً حيال قرار الإنسان. لقد رفض الإبن الضال (لوقا 15/11-32)، كل علاقة مع أبيه، وسعى الى “الحرية”، ولم يتم الكشف عن “الخطيئة” التي إرتكبها، إلا عندما وصل به الأمر الى “أن يملئ بطنه من الخرنوب التي كانت الخنازير تأكله”. فيكون أن جهنم هي الحالة التي تنكشف فيها بشكل تام للإنسان الخطيئة المرتكبة من قبله أي أن الخطيئة هي صورة سابقة لجهنم وجهنم هي الكشف التام للخطيئة. والملاحظ في المثل الذي أعطاه يسوع أن الأب لم يستطع شيئاً، إلا عندما “وعى” الإبن وضعه، وعاد الى البيت الأبوي. وتكون جهنم من هذا المبدأ أيضاً، حالة يقطع الإنسان، بإرادة منه، كل علاقة شخصية مع الله، ويضع نفسه خارج إطار رحمته. فينغلق على ذاته، بينما الله الذي لا يستطيع إلا أن يكون محبة، فإنه يبقى منفتحاً نحو ذلك الإنسان، ومنتظراً إياه (تماماً كما الأب في مثل الإبن الشاطر). ومن هنا نستطيع أن نفهم كلمة يسوع، بأنه ليس هناك من مغفرة للذين يجدفون على الروح القدس، لا في هذا العالم ولا في العالم الآتي، لأنهم يصّرون وهم على ضلالهم بأنهم على حق وبالتالي فإنهم لا يعترفون برحمة الله الذي يستطيع أن يخلصهم. والله في هذه الحالة لا يستطيع أن يفرض رحمته فرضاً، لكن هذه الرحمة الغير متناهية هي مستعدة وحاضرة دوماً، عندما يطلبونها. هذه الحالة هي حالة النفس التي تغوص بملء إرادتها في الظلمات. يصاغ خيار كل فرد بدءاً من حياته على الأرض، وينكشف خياره بشكل كامل في الحياة الثانية. ليس إذاً عثار جهنم في الله، بل في الذي رفض محبة الله وسار خلافاً لطبيعته، وهي أيضاً عثار في الحرية التي أرادت أن تنغلق على نفسها. والقديس أغسطينس يقول: “جعلتنا لك يا رب، ولا يجد قلبنا الراحة حتى يرتاح فيك”. وبهذا تكون جهنم مقر كل روح بشرية، وروح ملائكية رفضت الله بإرادتها.
يستطرد الأب غبريال أمورت، في كتابه شهادات كاهن يقسم على الشياطين، قائلاً :
“في يوم ما كان الأب كانديدو يقوم بطرد الشيطان، وقبيل نهاية “التقسيم” خاطب بتهكم ذلك الروح النجس: “إنصرف ! في كل حال، لقد هيأ لك الرب بيتاً جميلاً ومدفأً جيداً”. أجاب الشيطان: “إنك لا تعرف شيئاً. ليس هو (الله) الذي صنع جهنم، بل نحن. حتى هو لم يفكر فيها !”. وفي وضع مماثل وجه الأب أمورت نفس السؤال الى أحد الممسوسين، إذا كان هو أيضاً ساهم في خلق جهنم، أجاب: “كلنا ساهمنا في ذلك” (ص 24-25).