بعد مرحلة الآباء، بقيت الكنيسة على الدوام إلى جانب الفقراء وشجّعت على الفقر الإختياري حين يكون سبيلًا للبلوغ إلى الله وهو ما قاد إلى تأسيس الانماط الرّهبانيّة والنسكيّة في الشرق والغرب على السّواء وأضحى الفقر أحد النذور الأساسيّة في الحياة الرّهبانيّة.
ولكن، في الوقت ذاته، لم تشجّع الكنيسة الفقراء على البقاء على حالتهم فبدأ ينمو نموذج بناء القرى حول الأديار حيث يشكّل الدير والقرية وحدة اقتصاديّة مكتفية بذاتها من خلال الزراعة وتبادل المنتجات ما بين النّاس وما بين النّاس والدّير ومن نماذج هذا التبادل الأساسيّة: يعلّم الرهبان النّاس التعليم الأساسيّ ويبادلهم النّاس بالعطايا والمنتجات الزراعيّة أو الحيوانيّة…
ولطالما حاربت الكنيسة الكسل فألزمت حتّى النسّاك على العمل من أجل تأمين طعامهم إنطلاقًا من القاعدة التي أرساها مار بولس: “إِذا كَانَ أَحدٌ لا يُرِيدُ أَنْ يَعْمَل، فعَلَيْهِ أَيْضًا أَنْ لا يَأْكُل!” (2 تسالونيقي 3: 10).
ويوم دخلت روح الكسل إلى بعض الرهبانيّات، قامت محاولات للإصلاح في فترات متقاربة جدًّا تاريخيًّا كالإصلاح الترابيستيني مع القدّيس برناردوس والإصلاح الكرمليّ مع القدّيسين يوحنّا الصليب وتيريزيا الأفيليّة والإصلاح الفرنسيسكاني مع القدّيسين فرنسيس وكلارا.
هناك على الدّوام من يرغب برؤية نصف الكوب الفارغ عبر الإشارة إلى الشواذات في الكنيسة ويتناسى أنّ معظم قدّيسيها عاشوا أفقر من النّاس أو أقلّه بينهم أو تواضعوا وهم في مراكز مهمّة كحالة الملك لويس التاسع في فرنسا مثلًا.
فمن يريد أن ينتقد الكنائس المنمّقة بالذهب نقول له لقد سبقك يوحنا الذهبيّ الفم إلى ذلك ولسنا طبعًا مع بناء كنائس مذهبّة على حساب الفقراء…
ولكننا لسنا مع من يصوِّر كنيسة أنجبت يعقوب الكبّوشي والأخت تيريزا دو كلكوتا والأخت إيمانويل في مصر ومار منصور والأب بيار… وكأنّها كنيسةٌ للأغنياء أو كنيسةٌ تتملّق للأغنياء وهو ما يظهره بوضوح تعليم الكنيسة في العصر الحديث، بعد قيام الثورات في أوروبّا.