في أول يومين لبداية العهد البابوي الجديد، وجه البابا فرنسيس رسالتين هامتين من شأنهما التأكيد على استمرارية الكنيسة في انتهاج خط الحوار بين الأديان وهو خيار حيوي متجدد وليس ترفاً فكرياً، كما ليس مجاملات رخيصة وتبادل قُبل وأشعار غزلية.
ففي اليوم التالي لتنصيبه في ساحة الفاتيكان، التقى البابا الجديد بممثلي الكنائس الشقيقة وأتباع الديانات، وجدّد فيه جسور التواصل والتعاون الموجودة أصلاً مع كل الأطياف الكنسية والدينية، وخاطب المسلمين الحاضرين بقوله: “أحيي الأصدقاء المسلمين الذين يعبدون إلهاً واحداً حياً رحيماً ويدعونه بالصلاة”.
وقد تكرّرت كلمة”الصداقة” أكثر من مرّة للدلالة على البحث عن تعزيزها في عالم اليوم ، الأمر الذي سيخدم السلم الاجتماعي كما والعالمي. ويتحدّث البابا في أمانة لجهود أسلافه، وبخاصة لروح المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني الذي مرّ عليه نصف قرن وفتح الأبواب واسعة في الحوار داخل الكنيسة وبينها وبين أتباع الديانات الأخرى، ويصرّح البابا الارجنتيني أنّ الحوار ليس عقائدياً وانما تعاوني في سبيل خدمة الانسان: “يمكننا أن نفعل الكثير لخير الفقير والضعيف والذي يعاني لكي نعزّز العدالة والمصالحة لنبني السلام”.
وختم البابا لقاءه الأول بالتأكيد على وحدة الأسرة البشرية في البحث عن الحقيقة والخير والجمال، حيث وبحسب فكر فرنسيس: “انّ حقيقة الله تعالى وخيره وجماله حلفاؤنا في الالتزام المشترك بالدفاع عن كرامة الانسان وفي بناء عيش مشترك سلمي بين الشعوب وفي حماية الخليقة”.
ولا يقل اللقاء الثاني أهمية عن الأول وتم تسليط الضوء عليه بشكل لافت، وبخاصة في وسائل الاعلام العربية، اذ صرّح البابا في معرض لقائه – لقاء التعارف – مع الممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى حاضرة الفاتيكان بأنّ الحوار – بين الكرسي الرسولي وممثلي الدول المعتمدة – سيسهم في بناء الجسور بين البشر ليتمكن كل واحد من أن يجد في الاخر “أخاً يلاقيه ويعانقه، وليس عدوا له أو خصماً”. ومن أجل ذلك أكد على رغبته في متابعة – متابعة وليس بدء – الحوار بين الاديان، وبخاصة وكما ورد على لسانه “الحوار مع الاسلام والمسلمين”، شاكراً العديد منهم على حضورهم لقداس بدء خدمته.
انّ كلام البابا الجديد قد جدّد الثقة وأنعش النفوس لمواصلة المشوار، وهو بمثابة مرحلة جديدة يبدأها البابا الذي تفاءل العالم بانتخابه، كما تفاءل ببساطته وتواضعه. وانني لأجد تركيزه في التعاون والصداقة بين أتباع الديانات ينصب على أمرين: أولهما خدمة الفقير دون التوقف عند فروقات دينية أو أثنية أو اجتماعية، وهنا ننوّه الى احياء البابا اليوم مراسيم “خميس الاسرار” السابقة لعيد الفصح في أحد السجون الايطالية ، حيث سيغسل أقدام المساجين القصّر. وثانيا التعاون في سبيل خلق السلام والحفاظ عليه، لكي يكون الدين دائما بريئا من أي عنف وقتل ودمار.
نعم لقد تطوّرت العلاقات بين أتباع الديانتين المسيحية والاسلامية… ومرّت بظروف عديدة ، ومراحل متتابعة : من الجدل العقائدي والتعايش الاجتماعي وتقسيم المجتمعات الى ملل وطوائف ، وصولا الى مراحل الحوار الفكري والذهني … وفي المرحلة القادمة يؤمل أن يبنى على ذلك كله، من خلال تسليط الضوء على الصداقات الحقيقية بين الديانتين وأتباعهما ، في مرحلة عنوانها الصداقة والتعاون لخدمة الفقير وخلق أجواء السلام في العالم.
يأتي البابا فرنسيس ، أمينا لجهود أسلافه البعيدين ولسلفه بندكتس السادس عشر الذي زار ثلاث مساجد في رحلاته العالمية : في تركيا وفي مملكتنا الأردنية الغالية وفي القدس الشريف… ويحق لنا التفاؤل في عهد البابا الجديد …فمرحلة الصداقة تفتح آفاقا جديّة وجديدة…
مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام