وفي عظته شكر غبطته لإدارة المركز وللعاملين فيه ما يقومون به من تضحية ونشاط. وأضاف: ان العمر الطويل ولو كان صعبًا انما هو عطية كبرى من الله، وكبار السنّ بيننا يقدمون لنا شهادة وهي ان الحياة مسيرة نحو الله ونحن بحاجة الى ان نعيشها تحت نظر الله. يقول لنا انجيل اليوم انه يجب مقاومة كل الصعوبات والتجارب كي نبقى ثابتين في ايماننا، الشهادة الثانية هي الصلاة وهي العمل الاهم، وصلاتهم تسند الكنيسة والوطن، اما الشهادة الثالثة فهي الالم ووجع الشيخوخة والمرض. ويذكرنا مار بولس اننا نكمل في أجسادنا ما نقص من الام المسيح من اجل خلاص العالم. وأود دعوتكم الى عدم اعتبار الشيخوخة مرحلة عزلة والم انما لذلك قيمة كبرى بنظر الكنيسة، فعيشوا بفرح ورجاء لأنكم تخدمون المجتمع بشكل اساسي وكبير. ونعود الى مار بولس الذي قال أنا افرح بأوجاعي لان لها قيمة خلاصية. 

وتوجه غبطته بالشكر الى مديرة المركز والى العاملين فيه وتابع: أقول لكم شكرا باسم الكنيسة والمجتمع، لانكم تقومون بدور انساني، روحي ووطني، ولأنكم تعتبرون من تخدمون بمثابة والديكم. فانتم تمثلون فيرونيكا التي مسحت وجه يسوع وسمعان القيرواني الذي ساعد المسيح في حمل صليبه. وختم الكردينال الراعي بالدعوة الى الصلاة على نية هذا المركز والقيمين عليه والمحسنين اليه وكل العاملين فيه وعلى نية البرازيل ولبنان والسلام في الشرق الاوسط.

بعد ذلك غادر غبطته والوفد المرافق بورتو اليغري في ولاية ريو غراندي دو سول عبر مطارها متوجهًا الى مدينة كوريتيبا في ولاية بارانا جنوب غرب البرازيل حيث التقى حاكم الولاية اللبناني الاصل كارلوس بيترو ريشا الذي اقام حفل استقبال على شرف غبطته في القصر الحكومي شارك فيه خمسة وزراء ونواب من اصل لبناني اضافة الى رئيس بلدية كوريتيبا وممثلين عن الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية. وخلال الحفل قلّد الحاكم صاحب الغبطة وسام الصليب الاكبر وهو الارفع في الولاية وقد بدأت تمنحه لكبار الشخصيات في العالم منذ سنة ١٩٧٢. يبلغ عدد سكان ولاية بارانا ١٣ مليون نسمة ومنهم اربعمئة الف لبناني. من جهته اعلن رئيس بلدية كوريتيبا كوستافو فروتيز ورئيس المجلس البلدي تيريادور باولو سلموني البطريرك الراعي ضيفًا من الدرجة الاعلى في المدينة تقديرًا لموقعه ولشخصه.  

في كلمته الترحيبية قال الحاكم: "انكم تشرفوننا يا صاحب الغبطة بهذه الزيارة حكومة وشعبًا، نظرًا لموقعكم الرفيع وما تمثلون من قيم روحية ووطنية وما تقومون به من اجل لبنان والعالم ولهذا السبب كان قرارنا بمنحكم الوسام الاعلى في حكومتنا، وانتم تستحقون هذا التكريم. وان فرحتي اليوم لمضاعفة نظرًا لانني من اصل لبناني ايضَا. وان معظم وزراء حكومتي وفريق عملي هم من اصل لبناني. واني في هذه المناسبة اود التنويه بالجالية اللبنانية التي كانت المساهم الاكبر في اعمار هذه البلاد." وختم الحاكم ريشا بالاعراب عن سروره الكبير وتأثره الشديد بزيارة لبنان سنة 2009 لاول مرة وما احيط به من تكريم في وطنه الام، واعدًا بتلبية دعوة غبطته الى زيارة لبنان في اقرب وقت. 

من جهته شكر الكردينال الراعي للحاكم ولرئيس المجلس البلدي الاستقبال والتكريم الذي يعود في الواقع الى كل الشعب اللبناني ويعبّر عن وطننا المشترك لبنان. وقال: اشكركم على ما حققتموه في خدمة ولاية بارانا وفي خدمة البرازيل والوطن الاصيل لبنان. واشكر البرازيل على فتح ابوابها للبنانيين وعلى احتضانهم كمواطنين اصليين في مجتمعها، وقد بلغوا فيه الى القمم. فلبنان وعلى صغر حجمه الجغرافي ملأ العالم بفضل علم ابنائه وقيمهم، فكانوا كالارزة المزروعة في لبنان واغصانها تعبق العالم بأريجها." وذكّر غبطته بكلام قاله البابا يوحنا بولس الثاني في ختام السينودس الخاص من اجل لبنان بحيث نادانا بعد ان غادرنا ليقول: "لبنان بلد صغير جدًا ولكن عنده رسالة كبيرة جدًا جدًا". فبالرغم من كل الصعوبات التي يمر بها لبنان عليه ان يحافظ على هذه الرسالة. فالعالم متقدّم ربما في كل شيئ لكن بحاجة الى عيش معًا، يتحدثون عالميًا عن صراع الديانات والحضارات ولكن لبنان المسيحي والمسلم يتحدث عن تعايش الديانات والحضارات. وانا اعتقد ان الانسان اللبناني قوي لان لديه هوية خاصة تكوّنت من المسيحية والاسلام، ولذلك فهو منفتح على كل العالم ويفتح الابواب المقفلة. هو يؤمن بالحوار مع الجميع ويحب الديمقراطية ويحترم الانسان ويعشق الحرية ويقدّس حقوق الانسان. فكل الضباب والغيوم العابرة على لبنان لا تخيفه ولا تميته انما تجعلنا نتمسّك اكثر برسالتنا التي يحتاج اليها العالم. ومن هنا نقول الى اهلنا في لبنان والى اهلنا في الشرق الاوسط، لا تخافوا اطلعوا فوق الضباب فهناك شمس مشرقة. اخرجوا من ضباب الحرب والعنف والارهاب وقدموا الى العالم الصورة الحقيقية التي ينتظرها منكم." وختم غبطته بالدعوة الى اطلاق سراح المطرانين اليازجي وابراهيم مؤكدًا الايمان بان آلام المسيح تتواصل بالام البشرية من اجل السلام في العالم.

ومن كوريتيبا توجّه غبطته الى فوس دي ايغواسو في ولاية بارانا حيث كان في استقباله في المطار حشد غفير من ابناء الجالية اللبنانية وممثلين عن طوائفها كافة. ومساء اقيم استقبال حاشد على شرف غبطته حضره رئيس البلدية رينيه بيريرا ومطران الابرشية اللاتينية وممثلون عن كافة الكنائس الكاثوليكية والاورثوذكسية وعن كافة الطوائف الاسلامية شيعة وسنة ودروز. اضافة الى عدد من الوزراء والن واب والسفراء يتقدمهم سفير لبنان حسن ضيا. واالقيت كلمات ترحيبية اعربت عن الفرح والاعتزاز باستقبال الضيف الكبير. فرئيس البلدية اعتبر ان فرحه، وهو برازيلي، لا يقل عن فرح اللبنانيين باستقبال غبطته لانه من المتابعين لنشاطه وحركته البنّاءة وهو شخصية مميزة جدًا معربًا عن اعجابه بمشهد لقاء كل العائلات الروحية اللبنانية الاسلامية والمسيحية. كذلك رحب مطران الابرشية بالكردينال الراعي واصفًا اياه بالقائد المسيحي اللبناني الوطني الذي يرفع لواء القيم لواء العائلة والمحبة والسلام والحوار لافتًا الى ان قلوب اهل المنطقة كلها تشارك في استقباله. ثم القى علي حجازي كلمة باسم الجالية اللبنانية اشار فيها الى ان البطريرك الراعي يحمل في زيارته التفاؤل والحكمة المحبة والانفتاح والرغبة في جمع شمل العائلة اللبنانية. وقال: كلماتكم يا صاحب الغبطة هي الزاد الذي يغنينا عن مرارة الغربة ونشيد العودة الى الذات والى الجذور. انتم تحملون مشعل الحرية والموقف الجريء فاتحين ابواب الحوار خلاصًا للاوطان. تأتي زيارتكم بشارة، كأرفع مسؤول يتفقد رعيته التي تلاقيه اليوم بكبارها وصغارها كعائلة لبنانية واحدة.

من جهته القى فضيلة الشيخ عباس بغدادي كلمة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وممثلية المسلمين مرحبًا "بالقدوم المبارك" لغبطته مشيرًا الى ان الوطن هو الجذور التي لا يمكن الا ان تبقى ممتدة مع المرء اينما رحل. وحمّل غبطته مطالب الجالية من الدولة اللبنانية وفي طليعتها انشاء قنصلية عامة في المنطقة وتسهيل امور ابناء الجالية في حال عودتهم الى لبنان وخصوصًا لجهة التعليم وتأمين رحلات لطيران الشرق الاوسط. وختم الشيخ بغدادي مشيرًا الى ان لزيارة البطريرك الراعي طعم ومذاق خاص لانها تحمل شعار الشركة والمحبة، ولما لهذا الشعار من معان كبيرة وواضحة، واضاف: "نعتبر ان الوجود المسيحي في الشرق ليس منّة من احد وليس لاحد مهما على شلانه ان يمنّن المسيحيين فهم متأصلون في المشرق العربي ولا قيمة انسانية لهذا الشرق من دون المسيحيين، وان لبنان لا يمكن ان يستمر ويبقى من دون جناحيه المسلم والمسيحي." واخيرا طالب الشيخ بغدادي باطلاق صراح المطرانين المخطوفين في سوريا معتبرا ان لبنان على مفترق طرق ويجب على الجميع ملاقاة بعضهم البعض في منتصف الطريق وان يتمسكوا بالحوار الوطني منهجا وحيدا لمقاربة كافة القضايا الوطنية لانه ليس باستطاعة اي فريق في لبنان ان ينتصر على الفريق الآخر ولبنان كالسفينة في البحر ان غرق غرقنا جميعًا.

البطريرك الراعي ردّ بكلمة شكر فيها الجالية اللبنانية المجتمعة بكل طوائفها وعائلاتها على حرارة الاستقبال والمتكلمين في الاحتفال على كلماتهم الترحيبية اللطيفة واعدًا بمتابعة سلسلة المطالب التي سلمته اياها الجالية مع مطالب شبيبتها الذين كان له معهم لقاء خاص. وقال: "ما اجمل ان يعيش الاخوة معًا، ما اجمل هذه الجالية التي انسكبت كالشلال في المجتمع البرازيلي فأغناه وبناه وانسانيا وحضاريا وانمائيا. احيي معكم لبنان والشرق الاوسط حيث بنى المسيحيون والمسلمون نموذجًا خاصًا وحضارة مشتركة لنقول باسم تاريخنا المشتركن باسم الاسلام والمسيحية: كفى حربًا ونارا على ارض ارادها الله ارض حب وسلام، كفى للقتل والتهجير والعنف والارهاب، هذه كلها جرائم ضد الله، وكفى ان نعطي للعالم الغربي صورة تجرّد الشرق من تاريخه وحضارته." ودعى غبطته الاسرة الدولية للعب دورها في الحد من الصراعات والعنف في الشرق الاوسط مناشدا العالم العربي استعادة دوره الريادي فيها. كما جدد المناشدة لاطلاق صراح المطرانين المخطوفين اليازجي وابراهيم داعيًا لحماية الارض التي انطلق منها انجيل السلام والاخوة والخلاص.

الى ذلك غادر البطريرك الراعي صباح اليوم الى البراغواي حيث سيحتفل بالذبيح الالهية في الرعية المارونية على ان يعود مساء الى ساو باولو في البرازيل.