"على هذه الصخرة أبني كنيستي"

عظة الكردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي عـيــد الأب – تكريم العائلات – بكركي في 29 حزيران 2013

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

1. على صخرة الإيمان “بالمسيح ابن الله الحيّ”، الذي أعلنه سمعان – بطرس في قيصرية فيليبس، بنى الربُّ يسوع كنيسته، وهي جماعةُ المؤمنين. هذه الكنيسة تحتفل اليوم بعيد القديسَين الرسولَين بطرس وبولس، وهما عامودا الكنيسة والشاهدان بامتياز للإيمان المسيحي. هذا الإيمان يُنقل إلينا أوَّلاً في العائلة، جيلاً بعد جيل، وينمو بالتربية الروحيّة والأخلاقيّة والثقافيّة في الرعية والمدرسة والمجتمع. وعليه تُبنى كلّ جماعة بشريّة أكانت عائلة أم رعيَّة أم منظَّمة أم أيّ مجتمع بشري، كما وعد المخلِّص والفادي الإلهي: “على هذه الصخرة الإيمانيّة أبني كنيستي” (متى16: 18).

2. يسعدنا أن نختتم اليوم، في هذا الكرسي البطريركي، الأسبوع الذي أحيى خلاله مكتب راعوية الزواج والعائلة، التابع للدوائر البطريركية، عيد الأب في 21 حزيران الجاري، من خلال وسائل الإعلام، تلفزيوناً وإذاعة. ففي يوم العيد كان برنامج في محطّة تليلوميار/نورسات حول “العائلة وأهميّتها في تربية الإنسان، ودور الأب الأساسي فيها”. وفي 23 منه كان برنامج عبر محطّة MTV أظهر العائلة المضحّية في مواجهة التحدِّيات بصبر ورجاء. وفي 24 من هذا الشهر، بثّ المكتب برنامجاً في إذاعة صوت المحبة تناول دور الأب والأمّ في بناء العائلة على أساس من العطاء والحنان والحزم والحوار والقيادة.

وها نحن، في عيد القدِّيسَين الرسولَين بطرس وبولس، وهو عيد الإيمان المسيحي والثبات فيه والشهادة له بحضارة المحبة، نختتم الأسبوع التكريمي للأب بتكريم عائلات تميّزت في أربعة مجالات من رسالتها: كثرة الإنجاب، تكريس الابن الوحيد أو الإبنة الوحيدة للربّ، شهادة إيمانيّة في سنة الإيمان، تقبّل تحديات الحياة بصبر كالأمراض المستعصية والحاجات الخاصّة.

وإنّنا نحيّي معكم جميع العاملات والعاملين في مكتب راعوية الزواج والعائلة، والقيّمين عليه: المنسّق الأباتي سمعان بو عبدو والزوجَين سليم وريتا الخوري، وقد دعوا لهذا الاحتفال ونظَّموه مشكورين. وأودُّ بالمناسبة أن أحيّي اللّجنة الأسقفيّة للعائلة والحياة بشخص رئيسها سيادة أخينا المطران أنطوان نبيل العنداري وسائر المنظَّمات المعنيَّة بالعائلة وحماية الحياة، ولجان العائلة في الأبرشيات، ومراكز الإعداد للزواج، ومراكز الإصغاء، والآباء المرشدين وجميع المحاضرين والمحسنين والأصدقاء.

3. “أنت هو المسيح ابن الله الحيّ” (متى16:16). هكذا أعلن سمعان بن يونا إيمانه بالمسيح في نواحي قيصريّة فيليبّس، فامتدح يسوع إيمانه الآتي من الآب السماوي، لا من الفكر البشري والمنطق العلمي، وحوّل اسمه إلى بطرس أي الصخرة التي يبني عليها الكنيسة. لا يرتكز الإيمان على القوى البشرية فقط، في عيش مقتضياته والصمود فيه وسط المحن والاضطهادات، وفي نشره كثقافة تلج إلى ثقافات الشعوب وتحوّلها من الداخل، كما “الخميرة في العجين” (متى13: 33)، بل على المسيح وصليب الفداء. فأعطى الربُّ يسوع ضمانة لمستقبل الكنيسة المبنيّة على الإيمان به، حتى نهاية الأزمنة، بقوله: “وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها” (متى 16: 18). مهما قويت واشتدّت قوى الشرّ في العالم، لن تتمكّن من أن تقوى على الكنيسة أو تُسكتَها عن إعلان الحقيقة ونشر إنجيل الخلاص وإعلان سرّ المسيح من أجل حياة كلّ إنسان وخلاص الأوطان والشعوب. ولن تستطيع قوى الشرّ في العالم أن تعطِّل رسالة الكنيسة، كما يظهر ممّا كتب بولس الرسول إلى أهل أفسس: “صلّوا لأجلي لكي أُعطى أن أتكلّم بجرأة، لأعرِّف سرّ الإنجيل الذي أنا سفيره حتى في السلاسل، وأنادي به بجرأة، كما ينبغي” (افسس6: 19-20). يدعونا إيمان بطرس بالمسيح لنواجه نحن وعائلاتنا بحكمة الإنجيل وبنعمة المسيح مصاعب هذه الدنيا.

لمّا أعطى المسيح رسوله بطرس “مفاتيح ملكوت السماء ليحلّ ويربط” (متى16: 19)، فقد أعطاه السلطان الإلهي ليعلن الحقيقة ويميّزها عن الكذب والضلال، إنّه سلطان التمييز بين الحقِّ والباطل، الخير والشرّ، العدالة والظُّلم، الاستقامة والفساد، الإخلاص والخيانة. وهو سلطان إلهي لحلّ التائب من الخطاياه، أمّا ربطها عن غير التائب يجعله يموت في خطيئته.

فلننفتحْ نحن وعائلاتنا لهذا السلطان الإلهي، ونخضع له لأنّ منه حياتنا وكرامتنا.

4. وبولس الرسول الشاهد للإيمان ومعلّمه ببطولة، يُصوَّر في التقليد المسيحي حاملاً السيف. إنّه سيف الحقيقة القاطع، الذي يبدّد الكذب والضلال ويحسم خلافات البشر في حقائقهم النسبية والشخصانية، بإعلانه الحقيقة المطلقة المختصّة بالله والإنسان والتاريخ.

تعالوا نلتمس لنا ولعائلاتنا شجاعة بولس وغيرته على نقل إنجيل المسيح الخلاصي، وقد لقّب نفسه “بخادم هذا الإنجيل الذي أُفرز لإعلانه”.

5. أيتها العائلات المسيحية تدعوكم المناسبة اليوم للتبصر في طبيعة العائلة ودورها ورسالتها، التي وضعها لها الله الخالق، وكمّلها المسيح بتعليمه، وقدّسها رافعاً شأنها بانتسابه إليها.

العائلة هي أول مجتمع طبيعي، أوجده الله قبل الدولة وأي جماعة منظّمة، ويتميّز بأنّه “جماعة حبّ وحياة”، لا مجرّد وحدة قانونية أو اجتماعية أو اقتصادية. وبهذه الصفة هي “الخلية الحيّة للمجتمع” التي تنقل إليه الحياة البشرية والقيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، والتقاليد الدينية والاجت
ماعية. وهي بالتّالي “مقدِس الحياة”، إذ فيها تُقبل الحياة البشرية هبة من الله ومن الزوجَين المتّحدَين نفساً وجسداً وروحاً، وهي التي تحافظ عليها وتحميها وتربّيها وتسهر على نموّها الشامل.

فبات على المجتمع المدني ومؤسَّسات الدولة أن تقوم بواجبها تجاه العائلة: تؤمّن لها حقوقها الأساسية ولاسيّما السكن والعمل والطبابة والتربية، وأن تساند الوالدين في تحمّل أعباء العائلة المادية والتربوية، وفي فتح آفاق المستقبل بوجه أجيالنا الطالعة، بحيث يتمكّن شبابنا من البقاء في وطنهم ويحقِّقون ذواتهم، ويساهمون بنموّه وترقّيه بغنى مواهبهم وقدرة إبداعهم.

6. والعائلة المسيحية هي كنيسة مصغّرة منزليّة، مبنيّة على نعمة سرّ الزواج التي تجعل الله الواحد والثالوث حاضراً فيها: الآب بمحبته وعنايته يعتني بها، والابن بنعمة خلاصه يقدِّسها ويشفيها من جراحها، والروح القدس بحلوله يجعلها في حالة الشركة والمحبة، متّحدة بالله عاموديّاً، وعائشة سعادة الوحدة بين الناس أفقياً.

في هذه الكنيسة البيتية يُنقل الإيمان المسيحي من جيل إلى جيل، وفيها نتعلّم الصلاة، ونحقّق سرّ كنيسة المسيح.

7. إنّ خلاص لبنان، كعائلة وطنيّة، منوط بالعائلة الدموية. إنّنا نعاهدكم بمساندة العائلة الدموية الصغيرة، في كلِّ أبعادها، لكي تسلم العائلة الوطنيّة الكبيرة. وإنّا في هذه المساندة تتعاون الكنيسة ومؤسساتها مع المجتمع الأهلي والمؤسسات العامّة وكلّ ذوي الإرادة الطيبة. وكما كرّسنا منذ أسبوعَين لبنان الحبيب وبلدان الشَّرق الأوسط لقلب مريم الطاهر، في بازيليك سيدة لبنان، نكرّس اليوم عائلاتنا المسيحية، بل كلّ عائلة، لهذا القلب الطاهر، ملتزمين بالمحافظة على قدسيّة العائلة واتّحادها بالله، وبإتمام إرادته في الحياة الزوجية والعائلية، وباحترام قدسيّة الحياة البشرية منذ لحظة تكوينها في حشا الأمّ حتى النسمة الأخيرة، التي يحدّدها الله وحده، سيّد الحياة والموت. إذا سلمت عائلاتنا الصغيرة بفضل التزامها التكريس الشخصي، تسلم العائلة اللبنانية ويسلم لبنان بفضل تكريسه لقلب مريم الطاهر، التي تتعهّد حاضره ومستقبله.

وإنّني أدعو إلى تنظيم مجموعات صلاة تلتقي أمام العذراء سيدة لبنان – حريصا، في السادس عشر من كلّ شهر، لإعادة صلاة التكريس التي تلوناها رسميّاً واحتفاليّاً في السادس عشر من حزيران الجاري.

ومع العائلة المسيحية التي تلتقي في كلّ مساء في صلاة عائلية، نرفع نشيد المجد والتسبيح والشكر للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الابد، آمين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير