توقيع كتاب "الانتشار الماروني في العالم" – الخميس27 حزيران 2013

كلمة البطريرك الراعي – جامعة سيدة اللويزة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

1. يسعدني أن أكون معكم في رحاب جامعة سيدة اللويزة للاحتفال بتوقيع كتاب “الانتشار الماروني في العالم، واقع ومُرتجى 1840-2010″للدكتور جوزف لبكي الذي أحيّيه من كلّ القلب شاكراً ومقدِّراً عمله الجبّار هذا. كما أحيّي جامعة سيدة اللويزة بشخص رئيسها الأب وليد موسى مع مجلس الأمناء والإدارة وهيئة الأساتذة والطلّاب والأهل، ومع كلِّ خرِّيجيها وأصدقائها العاملين فيها. نشكرها على نشر هذا الكتاب – الموسوعة عن الانتشار اللبناني والماروني، ونهنّئها بإغناء منشوراتها به، وبالإستناد عليه في أبحاث “مركز الأبحاث في الاغتراب اللبناني” الذي أنشأته الجامعة منذ عشر سنوات.

   2. <strong>أيّها الصديق الأستاذ جوزف لبكي، شكراً كبيراً لك، على ما جُدت به من وقت وقوى وتضحيات، الله وحده يعرفها ويحصيها، وهو الكفيل بالمكافأة عليها من فيض كنوزه. كتابك، وهو موسوعة عن الانتشار اللبناني والماروني، يضاهي كلّ ما كُتب ونُشر إلى اليوم. فبعد أن أوجزت في الفصلَين الأوّلَين تعريفاً عن لبنان وجغرافيَّته ونظامه، وعن الموارنة وتأسيسهم ككنيسة بطريركية وعن هويّتهم، تناولتَ في الفصل الثالث موجات الهجرة وأسبابها من سنة 1840 حتى 2010، وفي الرابع رسمت جغرافيّة الانتشار اللبناني والماروني في جميع البلدان، وفي القارّات الخمس. فعرّفت بكلّ بلد وبأوضاعه الجغرافية والسياسية والثقافية، ومراحل الهجرة إليه مع إحصاءات، وذكّرت بأسماء العائلات اللبنانية في كلّ بلد وأهمّ الاشخاص الذين اشتهروا بعطاءاتهم فيه، وحقول العمل التي نشطوا فيها، وأهمّ إنجازاتهم الإنمائيّة في البلد المستضيف.

   وتناولتَ في الفصلَين الأخيرَين ما هو بمثابة خلاصة فعرضْتَ مشاكل الانتشار الماروني وتحدِّياته ومرتجاه مدنيّاً ودينيّاً، وأظهرت ميزات الهجرة مع فوائدها ومضارها، واقترحتَ كيفية الحدِّ منها. وأضَفْت ملاحق مع لائحة كبيرة بالمصادر والمراجع التي استقَيْت منها، والتي يستفيد من ذكرها الباحثون.

   3. كتابك – الموسوعة تفيد منه الدولة والكنيسة، كما اللبنانيّون والموارنة المنتشرون، والبعثات الديبلوماسية وكنائس الانتشار والدول المستضيفة. إنّه منجمٌ غنيّ للأبحاث، ودليلٌ لنا في الكرسي البطريركي للزيارات والتدابير الراعوية، وللتواصل بين الكنيسة الأمّ وكنائس الانتشار، بين الوطن اللبناني وأوطان أبنائه الجديدة، بين اللبنانيين المقيمين واللبنانيين المنتشرين. كلّهم يشكرونك ويدعون لك بالخير. لقد طبّقت في الموسوعة أكبر جزء ممّا أوصى به المجمع البطريركي الماروني في نصّه الرابع: “الكنيسة المارونية في انتشارها العالمي”.

هل يوضع لهذه الموسوعة من 869 صفحة، نقطة نهائية؟ نجيب: كلا! لأنّ الانتشار حركةٌ دائمة من الداخل إلى الخارج، وحركةُ تطوّر وتقدّم في أوطان الانتشار على كلِّ المستويات الدينية والمدنية، وحركة تقدّمية في إنشاء الهيكليات الكنسية، وفي إنجازات اللبنانيين المستمرّة والآخذة في الاتّساع. حركة الانتشار مثل موج البحر، المتجدّد موجة تلو الموجة، ونموّه كالأرز ارتفاعاً وبتفرّع أغصانه.

   فيا أيُّها العزيز الدكتور جوزف، مكتوبٌ عليك أن تكتب دائماً في موسوعتك وتزيد عليها، وتجدّدها بالمضمون وتصحّحها، تماشياً مع حركة الانتشار ومستجدّاته. أنت بهذه الموسوعة وضعت أساساً قويّاً لبناء كبير آخذ في العلو بشكل دائم.

   4. خلاص لبنان يأتي من الانتشار، لأسباب أربعة أساسيّة في عرفي:

   أ. فاللّبنانيون المنتشرون بما هم عليه من موقع رفيع في أوطان الانتشار، اقتصاديّاً وتجاريّاً، صناعيّاً وزراعيّاً، ثقافيّاً وسياسيّاً، إعلاميّاً واجتماعيّاً، هم بالإضافة إلى البعثات الديبلوماسية، وجهُ لبنان الثقافي والحضاري والاجتماعي. كثيرون منهم لم يأتوا إلى لبنان مرّة، لكن حضارة لبنان وتقاليده وخصوصيّته تسري في عروقهم، جيلاً بعد جيل. وهم وجه لبنان الاجتماعي المنفتح على الآخر المختلف، الحريص على علاقات الصداقة والتعامل، المحبّ للحرية والحياة السعيدة، المتمسّك بالتنوّع. والعلامة هي إنشاؤهم في مدنهم أندية تحمل اسم لبنان وجمعيّات نسائية منعوتة باسم لبنان. علمه مرفوع، أرزه مزروع في الحدائق ومرسوم على الجدران، صور سيدة لبنان وسيدة إيليج في البيوت والنوادي والجمعيات.

   ب. هؤلاء المنتشرون مُقدَّرون جدّاً من السلطات المدنيّة والكنسيّة لعطاءاتهم ولكونهم لبنانيِّين. يتقنون اللغات، خلّاقون ومبدعون في حقول عملهم، ومساهمون كبار في ترقّي ونموّ بلدانهم المستضيفة. أنا أعتقد أنّ عطف الدول على لبنان، والإرادة الدولية لحمايته، عائد إلى فضل المنتشرين. ولذلك نقول، من هذا القبيل، أنّ “خلاص لبنان يأتي من الانتشار”.

   ج. كلّنا يعلم أنّ المنتشرين يمدّون يد المساعدة لأهلهم وبلدانهم في مشاريعها العمرانية الراعوية والإنمائية، الثقافية والاجتماعية والرياضية. وتُقدّر قيمة هذه المساعدات المالية السنوية بين خمسة وستة ميليار دولار أميركي.

    د. يختبر اللبنانيون المنتشرون كيف أنّ بلدانهم المستضيفة تحترم القوانين والمؤسّسات العامّة، ولا تخضع، كما عندنا، لتأثير السياسيين النافذين الذين يخالفون القوانين ويعطّلون عمل المؤسسات، ويغطون مخالفات أنصارهم ومحازبيهم، لأغراض ومصالح خاصّة وفئوية. ويعرف اللبنانيون
المنتشرون قيمة الديموقراطية واحترام الشعب وأولويّة الخير العام. ويدركون أنّهم تمكّنوا من تحقيق ذواتهم في البلدان المستضيفة لأنّها فتحت أمامهم الإمكانيات المادية والمؤسساتية والترتيبات القانونية، من دون ابتزاز أو عراقيل أو خوّات أو رشوات. ويختبرون ايضاً قيمة المؤسسات العسكرية الشرعية التي وحدها تحمي المواطنين ولا مجال لوجود سلاح غير شرعي يُمارس كما عندنا بمعزل عن السلطة السياسية وقرارات الحكم، وبغطاء سياسي لممارساته ولجرائمه. ويعرفون قيمة القضاء والقانون الذي يعلو الجميع ويحكم للجميع وبحق الجميع، ولا مجال لتأثير السياسيين النافذين عليه أو لتعطيله، كما جرى عندنا مؤخّراً.

   لذلك نقول: “خلاص لبنان يأتي من الانتشار”، بحيث يتّخذ اللبنانيون المنتشرون مواقف رافضة للممارسات التي تعرقل الحياة السياسية في أهدافها، والنشاط الاقتصادي والسياحي، وتعكّر الحياة الأمنية، وتسطو على المؤسّسات الدستورية والعامّة. مواقف رافضة لتدخّل السياسيين في الإدارات العامّة والتعيينات، وفي القضاء ومؤسساته.

   5. هنا تظهر أبعاد هذا الكتاب – الموسوعة عن الانتشار اللبناني والماروني في العالم، ويظهر دور هذه الجامعة في تفعيل التواصل مع المنتشرين، لخيرهم وخير لبنان، في ضوء الأبعاد الكنسية والاجتماعية والوطنية التي ذكرنا. فلا بدّ من أن تضع الجامعة برامج بهذا الخصوص. فخير لبنان والكنيسة منوط به وبنتائجه.

   نأمل ان يبلغ هذا الكتاب – الموسوعة مبتغاه ويعطي ثماره في لبنان وعالم الانتشار، ويلقى الرواج الواسع الذي يستحقّه، مع تكرار الشكر والتقدير للدكتور جوزف لبكي ولجامعة سيدة اللويزة، ولكم جميعاً تحيّتي ومحبتي والدعاء.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير