انتشرت في الآونة الأخيرة وبشكل كبير على شبكة الإنترنت بشكل عام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي بشكل خاص، ظاهرة ال Memes. Memes المنتشرة عبر الانترنت هي عبارة عن صورة (غالباً ما تكون رسماً كاريكاتيورياً) متضمنة تعليقاً مناسباً، ويتم تداولها من مستخدم لآخر، وغالباً ما تتخذ شكل الطرفة.
Memes بشكل عام تلقى الإعجاب والمشاركة على نحو متواصل وبشكل يومي على شبكة التواصل الاجتماعي Facebook، وبالتالي فقد أصبحت هذه الظاهرة وسيلة لنشر الحقائق ووجهات النظر.
يعود المصطلح الأصلي Meme إلى عالِم الإيثولوجيا والبيولوجيا التطورية البريطاني الملحد Richard Dawkins، وقد أشار إليه في كتابه The Selfish Gene” “ " الجينة الأنانية" في معرض حديثه عن فكرة الوحدة القائمة على الانتقال الثقافي أو الوحدة القائمة على التقليد. يقول Dawkins في كتابه:
"... وصحيح أن المصطلح (ميميم) Mimeme مشتق من جذر إغريقي ملائم، إلا أنني أود استخدام كلمة أحادية المقطع على قياس (الجينة) Gene. وأتمنى أن يغفر لي أصدقائي الكلاسيكسون اختصار كلمة ميميم إلى (ميم) Meme. وربما يجد هؤلاء بعض العزاء في إمكان التفكير في هذه الكلمة لكونها ترتبط نسبياً بالكلمة Memory (الذكرى) أو بالكلمة الفرنسي même (الشيء نفسه). وتُلفظ الكلمة على وزن (كريم) Cream." (داكونز: 313)
ويُسهب Dawkins في شرحه لمفهوم ال Meme قائلاً :
"وأذكر من الأمثلة عن الميمات الألحان والأفكار والشعارات والأزياء وطريق صنع الأواني أو بناء القناطر. وتماماً كما تنتشر الجينات في الجمعية الجينية عبر القفز من جسد إلى آخر بواسطة الحوينات المنوية أو البيوض، تنتشر الميمات في الجمعية الميمية عبر القفز من دماغ إلى آخر بواسطة مسار يمكن تسميته بالمعنى الواسع (التقليد). فعلى سبيل المثال، إن قرأ عالم عن فكرة جيدة، يعمد إلى نقلها إلى زملائه وطلابه، ويذكرها في مقالاته ومحاضراته. وإن لقيت الفكرة النجاح، أمكن القول إنها تنتشر وتنتقل من دماغ إلى آخر". (داكونز: 313)
ويعتَبِر Dawkins أن "فكرة الله" هي عبارة عن ميم قديم تضاعف وانتقل من جيل لآخر عن طريق "الكلمة المكتوبة والمسموعة، متعاوناً مع الموسيقى الرائعة والفن الباهر" وأن "قيمة البقاء بالنسبة إلى ميم الله في الجمعية الميمية تنشأ عن الإغراء النفسي المهم الذي تنطوي عليه" (داكونز: 314).
Ryan Scheel شاب مسيحي من أوهايو، يدير العديد من المواقع الكاثوليكية والصفحات على Facebook نذكر منها uCatholic, Ask A Catholic Priest, Ask A Catholic Nun, ، وجد في استخدام ال Memes وسيلة جديدة للمساعدة في تبشير "الجيل الرقمي"، وذلك بعد أن لقيت رواجاً كبيراً على شبكة الإنترنت.
هكذا أطلق Scheel صفحته الجديدة على موقع التواصل الاجتماعي Facebook، والتي تحمل اسم Catholic Memes، وقد تجاوز عدد متتبعي هذه الصفحة التي تتمتع بحس فكاهي- نقدي 90.000 متتبع، وذلك بعد أقل من عام على إطلاقها، كما وجذبت الصفحة اهتمام الكثير من الملحدين ومن مناهضي الكنيسة.
وبالحديث عن كيفية تسخيره لظاهرة ال Memes في نشر الأيمان الكاثوليكي يقول Scheel:
"فعلت ما فَعلَته المسيحية على مرّ العصور: حيث استعارت مفاهيم علمانيّة وعدّلتها لاستخدام أسمى. إذا كانت ال Memes هي لغة الإنترنت، فيجب على تعاليم الكنيسة أن تُتَرجَم لهذه اللغة تماماً كما بالنسبة لأي ثقافة أخرى".
ويضيف Scheel بأن صفحة Catholic Memes أبصرت النور"كردة فعل" أكثر من كونها "ضربة ذكاء" من قِبَله، حيث يلاحظ أي متصفح لشبكة الإنترنت الكثير من الرسائل المناهضة للمسيحية وللكنيسة. ويرى Scheel أن أغلب الملحدين ومناهضي الكنيسة يتابعون صفحته هذه "بحثاً عن شيء ما"، وكونهم قد وجدوا أنفسهم في صفحة كاثوليكية فهذا أمر له دلالته. كما ويشعر بالمفارقة الطريفة، أنه قد استخدم مصطلح Meme الذي صاغه الكاتب الملحد Richard Dawkins في سبيل تعزيز الإيمان بالله والأمانة لتعاليم الكنيسة.
ويتشارك مبتكر الصفحة مع الجمهور المتتبع لها في صياغة ال Memes، حيث يُعطي الفرصة للمستخدمين من كافة أنحاء العالم، ومن أعمار وثقافات متنوعة بالمشاركة. ويتوقَّع أن تستمر هذه الطريقة بالتبشير في النمو كونها تشكل جزءاً من التبشير الجديد في القريب المنظور، حيث أن الفرح والدعابة سيكون لهما دائماً مكانة في نشر الإنجيل.
في مثال آخر، نجد صفحة Grumpy Orthodox Cat للكنيسة الأرثوذكسية، والتي تتخذ من القط المعروف بتعابير وجهه الغاضبة Grumpy Cat شخصية رئيسيةً تعكس أفكارها حول الحياة والإيمان عبر ال Memes الخاصة بها. ويقول مؤسسو الصفحة أنها تستخدم طريقة نقدية لتبين ما *لا* يجب أن يكون عليه المسيحيون، ويشددون على أن الصفحة:
"لا تهدف للسخرية من الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة أو من أي مجموعة كنسية أخرى، ولكنها تستخدم الفكاهة لتساعدنا على رؤية أنفسنا بشكل أوضح، ولنضحك على هفواتنا أملاً بأن نتعلّم منها".
حديثاً بدأت تظهر أيضاً بعض النماذج باللغة العربية، على نحو أبسط وأقل منهجية. ربما يعود ذلك إلى النمط الثقافي السائد والحساسية التي تتمتع بها المقدسات والشخصيات الدينية في بلدان الشرق الأوسط، الأمر الذي يجعل من استخدام الفكاهة في تنا ول المواضيع والشخصيات الدينية أمراً غير محبذ ومتعدد الأبعاد.
ويبقى التمييز في المحتوى والطريقة من أهم العوامل التي يجب على "مُرسل" رسالة ما عبر الفضاء الافتراضي أن يأخذها بحسبانه، عارفاً أن رسالته هذه موجهة إلى مستَقبِلين مختلفين في الثقافة والعمر في "ساحة عامة" من أكبر الساحات العامة في العالم، ألا وهي "شبكات التواصل الاجتماعية".