اليوم هو عيد الظهور الإلهي وذكرى معمودية يسوع وبداية حياة يسوع العلنية أي بشارة يسوع. فيسوع بدأ رسالته مثل كل مسيحي، عندما يعمد يوحنا المعمدان، الكنيسة هي التي تعمد. وعندما اعتمد يسوع أصبح صورة للمرأة او للرجل الذي ينال المعمودية من الكنيسة. المعمودية هي بداية رسالة المعتمد ويسوع بدأ حياته ورسالته عندما تعمد من يوحنا السابق.
حاول يوحنا أن يمانع “أنا المحتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليّ؟”. لكن يسوع أجابه: دعِ الآن، فهكذا ينبغي أن نُتمَّ كل بِرٍ. حينئذ تركه”.
من الواضح أن يوحنا على حق، فيوحنا بحاجة الى ان يعتمد وليس العكس. لكن يحصل أحيانا أن ما نعتقده صوابا يجب أن نبعده عن مخططاتنا وتوقعاتنا: لأن الله يعرف أمورا نجهلها ولا نفكر بها. هذا ما حصل في لقاء يوحنا مع يسوع (يو1/26).
إذن يوحنا طاع أمر يسوع “دع الآن” يحصل أحيانا أن الله يأمرنا الآن بأن نفعل عكس ما كنا نريده، الآن فقط ثم يترك لنا الخيار لنفعل ما نريد، لأننا بطاعتنا يمكن أن نسير بإيمان ومحبة فتتوافق إرادتنا مع إرادة الله.
السموات قد انفتحت له، ورأى روح الله ينزل مثل حمامة ويحِل عليه، وإذا صوت من السماء يقول: هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت”
المعمودية تجعلنا أصدقاء الله، تُهيئنا لنكون أبناء الآب، فقد أراد الله أن يُظهرنا بمعموديته، إنه صوت الآب، أبانا كما علمنا يسوع أن نناديه.
ظهور الآب والروح القدس كان بطلب من يسوع، وبالفعل أتم يسوع ارادة أبيه السماوي وبدأ رسالته بعد معموديته في الأردن. إن إرادة يسوع وإرادة الآب واحدة لا تتجزأ، ما يريده يسوع يريده الآب والعكس صحيح. هذا ما قاله يسوع في ليلة آلامه: “أنا في الآب والآب فيَّ… وكل ما هو للآب هو لي (يو14/11 و15/15)
نعم! المعمودية هي حقا سر نتحد بواسطته مع يسوع! ففي اللحظة التي تعمَّد بها يسوع على يد يوحنا، انفتحت السماوات ونزل الروح القدس على يسوع وكشف الآب وجوده معلنا “أنت ابني الحبيب الذي به سررت”.
ما أجمل هذا السر، سر معموديتنا! الله الآب يحبنا بواسطة ابنه يسوع ومن خلال قوة الروح القدس! من هنا نرى أن معموديتنا هي التزام يومي لنحافظ على بنوتنا.
إن عيد الظهور هو عيد الغلبة، فالملك ظهر منتصرا على الأعداء والنور على الظلمة والمعرفة على الجهل. بغلبته أعطانا المسيح النعمة لنتغلب بدورنا على الخطيئة بواسطة الروح القدس الذي يتغلغل في كياننا ويختمنا بمواهبه الغزيرة. بهذا ونحن مبررون نصير أبناء الله وأعضاء في كنيسته وورثة ملكوته السماوي. هذا يدفعنا إلى بحث دائم ومتواصل على إرادة الله وعلى عمل دؤوب كي تتحقق فينا وفي الآخرين.
عندما نقبل سر العماد نصبح مسؤولين عن مشروع الله ومقيدين بشركة روحية معه ومع أخوتنا البشر. إنها طاقة الروح القدس التي تعمل في كل مسيحي وتفيض بطريقة عفوية لتجعل حضورنا في العالم رمزا لحضور المسيح فيه، بذلك نأخذ الآخرين على عاتقنا في صلاتنا اليومية وفي حياتنا الاجتماعية والمدنية.
خاتمة
إن الحياة المسيحية لا تقاس بكمّ من الممارسات الطقسية فقط بل بأمانة لتعاليم يسوع المسيح وإرشادات الكنيسة، فالمسيحي أعطي بالمعمودية القدرة على الإيمان، لا ليحتفظ به لنفسه بل ليعطيه لغيره وهو كرسول للمسيح مطالب بأن ينقل الرساله لا بكلامه فقط بل بمثله: “هكذا فليضئ نوركم للناس، ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجدوا أباكم الذي في السموات” (متى5/16).
ليكن هذا الإيمان راسخا فينا ولنترك ذاتنا تنقاد للروح القدس كما قال أشعيا النبي: “إن روح السيد الرب عليّ، لأن الرب مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء”.