لبنان والشرق تحت نظر الفاتيكان

القسم الأول

Share this Entry

مقدمة

إنّ الزيارة الرسوليّة التاريخيّة التي قام بها قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان، والتي إختتم فيها مع بطاركة كنائس الشرق والدوائر الفاتيكانيّة، السينودس الخاص بالشرق الأوسط “شركة وشهادة”[1]، هي عنصرة متجدّدة لكنائسنا، تبشّر بربيع روحيّ حقيقيّ لشعوب المنطقة بأسرها. وألقى قداسته سلسلة تعاليم منبثقة من الإرشاد الرسوليّ[2]، هي قاعدة فكرية متينة، تكفل في خرق ثغرات بنيويّة في الصراعات التي تعصف بالمنطقة، بهدف إيجاد طرق فكريّة سليمة تكفل في تحقيق السلام المنشود. وضمن هذا السياق، شرعنا التأمل في فكر قداسته الجريء والنيّر، ليتسنّى لك أيها القارىء الكريم مسألة ذاتك وإكتشاف حقيقتك كشخص، والتفكّر في مبدأ عيش السلام وأهميّة الوطن، وماهيّة مرتكزات الشخص إلخ، والتربية على السلام. ما الذي قاله البابا بالتحديد، وما هي طروحاته لحل المعضلة في لبنان والمشرق العربي؟ وكيف بإمكاننا إحداث التغيير المطلوب والفعليّ في تحقيق الأهداف المرجوّة؟

1-الطرح الفلسفي واللاهوتيّ للشرق ولبنان

إنطلق قداسته من حقيقة الشركة في المحبّة، التي هي مفتاح الحلّ الجذريّ والعملانيّ لكافة المعضلات التي يتخبّط بها العقل الشرقيّ. فالشركة تتجلّى في مبدأ الوحدة وهي نقيض التفتّت والإنقسام والإنطوائيّة؛  فتجعل  الإختلاف غنى والتمايز ميزة إنسانيّة / ثقافيّة على حدّ سواء[3]. إذاً  كيف يمكن للعالم المشرقيّ قبول حالة «آلام المخاض بدون نهاية» حيث أن الشخص والأسرة أولى ضحاياها؟. كما أن الجميع يشترك بطريقة مباشرة في مبدأ الشركة في “المأساة”،  هم مدعوون في الوقت عينه للقيام، بحركة عكسيّة في نبذ هذا المخاض الأليم، بإحداث تغيّر في أنماط التفكير المصابة بالإحباط والشعور بالعزلة، الذي يبتدئ بكسر حاجز الخوف من الذات والآخر، والقيام بمبادرات جريئة وملموسة محمّلة بثقافة وقيم السلام والعدالة[4]. يقول البابا: « أفكارُ السّلام، وكلماتُ السّلام، وأفعالُ السّلام تخلق مناخاً من الإحترام والإستقامة والمودّة، حيث يمكن الاعتراف بالأخطاء والإهانات بالحقّ للتقدّم سويةً نحو المصالحة. ليفكّر رجالاتُ الدّولةِ والمسؤولون الدّينيِّون مَليِّاً في ذلك!»[5]. لا يعني السلام «توفّر حياة هادئة، ولا يقتصر تحديده على غياب الحرب وحسب…إنّه حالة الإنسان العائش في تناغم مع الله، ومع ذاته، وقريبه والطبيعة»[6]. ولكي تتفاعل هذه الشركة في شعوب المنطقة، لا بّد من تسليط الضوءعلى المبدأ الشامل والموحّد للإنسانيّة قاطبة، الذي حجبته بعض الإيديولوجيات[7] المشكّكة بالشخص وفرادته وبقدسيّة العائلة. لذا يلقى عمل الجميع، تنظيم العقل بشكل منتظم ومنطقيّ متجرّد عن السياسات الضيّقة، بهدف إكتشاف قيمة وأصالة الشخص البشري، من خلال روافد الوحي الإلهي الذي تجلّى في منطقتنا الشرق أوسطيّة. إنّها حقيقة البدايات الأولى الذي أرادها الله للإنسان. الذي يفضي بتحرير الشخص من كل نظرة ضيّقة ومحدودة وملتبسة«إن وحدة الجنس البشريّ، أي الشراكة الأخويّة التي تتعدّى جميع الإنقسامات ُتولد من النداء الذي توجهه كلمة الله – المحبّة»[8]. وهذا التحرّر من الأوهام، يبدأ في توضيح قيمة الشخص وعلاقته بالوطن.

[1] – راجع، الزِّيارة الرَّسوليِّة لقداسة البابا بندكتُس السادس عشر خطاب الأب الأقدس مراسم الإستقبال مطار رفيق الحريريّ – بيروت الجمعة الموافق ١٤ أيلول/سبتمبر ٢٠١٢

[2] – البابا بنديكتوس السادس عشر، حول الكنيسة في الشرق الأوسط شركة وشهادة.

[3][3] – «وحدة لبنان ضمن احترام حقوق كل مواطن التي هي من مكونات لبنان الدينية والإجتماعية والثقافية كافة، عزيزة على الكرسي الرسولي» (خطاب الطوباوي يوحنا بولس الثاني، إلى وفد من النواب اللبنانيين 2/10/ 1980)

[4] – راجع، المرجع ذاته، فقرة 10.

[5] – راجع رسالة البابا بنديكتوس السادس عشر، الزّيارة الرّسوليِّة، إلى لبنان خطاب الأب الأقدس اللّقاء مع أعضاء الحكومة ومؤسَّسات الدّولة، والسلك الدّبلوماسيِّ، والمسؤولين الدّينيِّين وممثلي عالم الثّقافة، القصر الجمهوريّ – بعبدا؛ السّبت الموافق ١٥ أيلول/سبتمبر ٢٠١٢؛ الموقع www.vatican.vat

[6] – البابا بنديكتوس السادس عشر، حول الكنيسة في الشرق الأوسط شركة وشهادة، فقرة9.

[7][7] – مفرد أيديولوجيّة: نظام فكري سياسي/فلسفي مقفل، لا يقبل الإختلاف والتمايز.  كالإيديولوجيّة الماركسيّة والإشتراكيّة، والدينيّة (التعصب).

[8] – البابا بنديكتوس السادس عشر، المحبّة في الحقيقة (الرسالة العامة)، فقرة 34. 

Share this Entry

الخوري جان بول الخوري

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير