في شهري تشرين الثاني وكانون الأول، امتلأت مدينة روما بإعلانات تحمل الكتابة التالية: “نحو اكتشاف السعودية، أرض الحوار والثقافة”. احتفالاً بمرور 80 عامًا على بدء العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيطالية، نظمت بلدية روما والسفارة السعودية سلسلة من اللقاءات الهادفة لتبيان المملكة كأمة منفتحة، جميلة وجذابة. وقد أقيمت في “بياتزا ديل بوبولو” في روما منصة تقدم فيها إمكانية لتذوق الشاي والحلويات السعودية، وسماع الموسيقى والتعرف على الثقافة السعودية، وحيث تقوم نساء محجبات وصباغة يدي الزائرات بالحنة.
من يعرف الواقع السعودي يعرف جيدًا أنها كانت مبادرة ظاهرية ومرائية. فالسعودية هي بلد لا تستطيع النساء فيه أن تحصل على إجازة القيادة ولا يمكنهن قيادة السيارات. السعودية بلد لا يستطيع المسيحيون فيه أن يحملوا الصلبان على صدورهم، ولا أن يبنوا الكنائس، بلد يتعرض فيها الشيعة للتمييز، بلد تطبق فيها الشريعة الإسلامية في وجهها الأقصى، وصولأ إلى الجلد والحكم بالإعدام.
السعودية أيضًا بلد حيث البلوغر رئيف بدوي، شاب له مع العمر 33 سنة، حكم عليه حتى الآن بسبع سنين من السجن و600 جلدة لأنه تجرأ أن يعبر عن رأيه بشأن بعض الشخصيات الدينية السعودية، وهو الآن في صدد الخضوع لحكم التجديف الذي عقوبته الإعدام. وبدوي ليس آخر الأرواح الحرة التي تلاقي مصير الإرهاب ضد الحرية والفكر الحر في السعودية. ففي شباط 2012 لاقى المصير عينه البلوغر حمزة كشغاري، الذي اتهِم بدوره بالتجديف وقد عفي عنه مؤخرًا بعد أن قام باعتذار رسمي.
إلا أن ظاهرة بدوي هي أكثر تعقيدًا لأنه لم يكتف بنشر بعض التويت بل أسس في عام 2006 “الشبكة الليبرالية السعودية الحرة”، ولأنه انتقد، ليس فقط التطرف الوهابي، بل أيضًا العائلة الحاكمة السعودية التي لم تسعَ للحد من تطرف الأولين.
ويصف بدوي نفسه بهذا الشكل: “أنا لست إلا مواطنًا سعوديًا بسيطًا. التزامي يتوجه نحو تقدم المجتمع المدني في بلادي، ورفض أي قمع باسم الدين، وتعزيز الليبراليين السعوديين الذين هدفهم الأول هو حضور المجتمع المدني، وهو هدف سنحققه بطريقة سلمية ومع احترام الشريعة”. ويوضح أن أهداف الليبرالية “لا تناقض الإسلام، لا بل تنبع وتنمي انطلاقًا من المبادئ الإسلامية النبيلة”. ويعبر عن قناعته بأن “التطور نحو الفكر الليبرالي يتطلب تنشئة، وعيًا وحسًا منفتحًا على الخير العام، على الواجب وعلى المسؤولية”.
كلمات بدوي واضحًا ولا تتضمن أي تجديف على الدين، بل تهدف فقط إلى الإصلاح من أجل خير البلاد. الشك يصب على من يتهمه بذلك وعلى من يريد أن يحكم عليه بالإعدام بسبب “رفض الإسلام”.