عقيدة التبرير والتقديس

القسم الثامن

Share this Entry

النقطة الحسّاسة في عقيدة التبرير هي مسألة ” إستحقاقات الأعمال الصالحة ” . ولكن ألا يؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى تأكيد التقديس بالأعمال والتبرير بالأعمال من جديد ؟

للجوابُ على السؤال ، أنّ يسوع المسيح يتكلّم في أكثرَ من موضع ٍ عن الأجر في السماء ( متى 5 : 12 ؛ 19 : 29 ) ، وعلى دينونة الإنسان بحسب أعماله ( متى 25 : 34 – 35 ). ويصحّ هذا أيضا عن بولس الرسول ( رو 2 : 6 ؛ 1 كور 3 : 8 ؛ 15 : 58 ) .

المسحيين هم كالأغصان في الكرمة . فهم لا يستطيعونَ أن يحملوا ثمارًا إلاّ في يسوع المسيح ؛ وبدون يسوع المسيح لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا ( يو 15 : 5 ) . ومن ثمّ فإستحقاقاتنا هي أيضا عمل نعمتهِ !

يقول المجمع التردنتينيّ ، وهو ينسجمُ الإنسجامَ التامّ وأقوالَ الكتاب المقدّس :

” يجبُ أن ننظر إلى الحياة الأبديّة على أنها في آن واحد نعمةٌ وُعِدَ بها أبناءُ الله بيسوع المسيح الجزيل الرحمة ، ومكافأةٌ يُعطَونها بحسب وعدِ الله عن أعمالهم الصالحة وإستحقاقاتهم ” دنتسنغر 1545 .

وعن النعمة يقول : ” هذه القدرة تسبقُ دومًا أعمالَهم ، وترافقُها ، وتتبعُها ، وبدونها لا يمكنُهم على الإطلاق أن يُرضوا الله أو أن يكون لأعمالهم أيُّ إستحقاق  ” دنتسنغر 1564 .

” ليبتعد المسيحيّ على أن يثقَ بنفسه أو أن يسعى إلى أن يفتخرَ بنفسه بدلا من أن يفتخرَ بالربّ ( 1 كور 1 : 31 ) ، الذي هو على هذا القدر من الصلاح نحو البشر بحيث يجعلُ المواهبَ التي يمنحُهم إيّاها تصيرُ هي عينُها إستحقاقا لهم ” دنتسنغر 1548 .

هذا يبيّن أنّ النعمة التي تعمل في إسهام عملنا ومن خلاله ليست واقعا صلبًا جامدًا ، بل هي أمرٌ متحرّك بل مأساويّ . فالتبرير يُعطى مرّة واحدة وهو عطاءٌ نهائيّ ، ولكنّه يُطلِق ” مسيرة ” تقديس تدوم مدى الحياة . بمؤازرة النعمة نستطيع أن نُعِدّ ذواتنا لتقبّل النعمة المقدّسة ، ويجبُ علينا ذلك ( دنتسنغر 1525 – 1527 ) . وبالأعمال التي نتمّمها بقوّة النعمة يمكن أيضا أن تنموَ النعمة المقدّسة ( دنتسنغر 1635 ). ولكنّ النعمة يمكن أيضا أن تُفقَد بالخطيئة ( دنتسنغر 1544 )، كما يمكن أن توهَبَ من جديد بالتوبة ( دنتسنغر 1542 – 1543 ) . ومن ثمّ فالحياة المسيحيّة كلّها هي جهاد على الخطيئة وتوبة دائمة ؛ وهي بحاجةٍ مستمرّة إلى التجدّد والتعمّق . ومع ذلك ، ولو فعلنا هذا كلّه ، نبقى على الدوام عبيدًا بطّالين . ( لوقا 17 : 10 ) .

إنّ مقاومةَ حركة الإصلاح للتبرير بالأعمال ، إرتبطتْ بالضرورة بشعارهم المزدوج : ” بالنعمة وحدها ”  و ” بالإيمان وحده ” . ولكنّ المصلحين أيضا يتكلّمون على الأعمال بقولهم إنها ثمار الإيمان وعلاماته الأكيدة . ومن ثمّ فالأعمال ضرورية للخلاص ، ولكنّها ليست هي التي تمنحُ الخلاص ؛ فلا قيمة ولا إستحقاق لها أمام الله . فمن الجليّ إذن ، أنّ هناك أقوالا مختلفة بالنسبة إلى إستحقاق ثمار التبرير ( دنتسنغر 1581 – 1582 ) .

ومع ذلك يبدو لنا اليوم أنّ هناك في الموضوع المعنيّ قربًا أكبر ممّا قد يبدو لأول وهلةٍ . هذا ” القرب الواقعيّ ” تعبّ{ عنه الصلاة التالية للقدّيسة تريزيا الطفل يسوع ، وهي صلاة تكريس لمحبة الله الرحيمة :

” لا أريدُ أن أجمعَ إستحقاقات للسماء ، أريد فقط أن أعملَ من أجل محبّتك ، وقصدي الوحيد أن أسُرّك .. في مساء هذه الحياة ، سأظهر أمامَك فارغة اليدين ، إذ إنّي أطلبُ إليكَ ، يا ربّ ، ألا تحصيَ أعمالي . كلُّ أعمالنا البارّة هي ملوّثة في عينكَ ، لذلكَ سوف أرتدي برّك فأنالُ من محبّتك إمتلاكَكَ أنت بالذات إمتلاكا أبديّا ” .

من ثمّ ، يتّضحُ أن المسيحيين الكاثوليكيين والإنجيليين ، على الرغم من التعابير العقائديّة التي يختلفون فيها ، هم أكثرُ قربًا بعضهم من بعض . عندما لا يتكلّمون على الله وعلى الإيمان، بل يقفونَ في الإيمان أمام الله ، وإنطلاقا من إيمانهم يتكلّمون إلى الله في الصلاة . فهل نحنُ متّحدون اليوم في موضوع التبرير الذي إنفصل بشأنه آباؤنا في القرن 16 ؟

سنرى في الحلقة التاسعة ” متّحدون في عقيدة التبرير ؟ “

Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير