الحديث عن ميلاد الرب وعن عيد ميلاد يظهر في النصوص المسيحية الأولى نحو العام 204، وذلك في تعليق القديس هيبوليتوس الروماني على سفر النبي دانيال. في هذا الكتاب تحدث هيبولتس عن الاحتفال بمولد المسيح في 25 كانون الأول. لماذا؟
السبب رمزي وليس تاريخي. فالتاريخ المذكور هو تاريخ الاحتفال بِعيد تكريس هيكل أورشليم، الذي أطلقه يهوذا المكابي في عام 164 قبل المسيح.
هذه المطابقة بين العيدين تعني أنه مع المسيح تم تكريس الهيكل الحق، مجيء الله بالجسد على هذه الأرض. الهيكل المكرس الجديد هو الجسد، إذ يقول بولس الرسول لنا: “أجسادكم هي هياكل الروح القدس”. الروح القدس يكرس هياكل أجسادنا ويجعل منها هياكل لعبادة الآب “بالروح والحق”. وتكريس الهياكل يبدأ باتحاد الكلمة بالجسد من خلال التجسد، إذ بتجسده لم يأخذ المسيح جسدًا وحسب، بل “اتحد إلى حد ما بكل إنسان”، كما يذكرنا المجمع الفاتيكاني الثاني.
وفي مرحلة لاحقة، في القرن الرابع، أخذ العيد هيكليته النهائية عندما حل مكان العيد الروماني المعروف باسم “الشمس الظافرة” (Sol invictus)؛ وتم التشديد بهذا الشكل على أن مولد المسيح هو انتصار النور الحق على ظلمة الشر والخطيئة. إلا أن المناخ الروحي الخاص والمكثف الذي يحيط بالميلاد قد تنامى في العصر الوسيط، بفضل القديس فرنسيس الأسيزي، الذي كان متيمًا بالإنسان يسوع، العمانوئيل، الله معنا. ونعرف جميعنا قصة مغارة غريتشو.
يخبر كاتب سيرة القديس فرنسيس، تومازو التشيلاني، أن القديس فرنسيس كان يحتفل بعيد الميلاد “أكثر من كل الأعياد الأخرى” وكان يسميه “عيد الأعياد” لأنه “اليوم الذي فيه صار الله طفلاً ورضع ثديًا بشريًا”. من هذا التعبد الخاص للتجسد نشأ الاحتفال الشهير بالميلاد في غريتشو.
وعليه فالاحتفال بالميلاد في 25 كانون الأول، غني بالمعاني الرمزية واعتراف بأن المسيح هو الهيكل الجديد وهو النور من نور، الشمس الحق الذي لا يغرب ولا يزول، شمس المحبة ودفؤها وشمس الحقيقة التي تنير عقولنا وقلوبنا على سر محبة الآب.