انجيل اليوم يدعونا الى التامل في قضية مهمة جدا في حياتنا… هي قضية ان ندع الآخرين ياخذون مكانهم الحقيقي في الحياة….. فيوحنا، يرى يسوع، ويسوع هو الموعود به ليخلص العالم، ويوحنا كان هو المهيء للطريق لمجيء هذا الشخص… فنرى يوحنا، يعترف بيسوع، يدع المجال ليسوع ليظهر ظهورا حقيقيا، وياخذ مكانه الحقيقي في البشارة….. يوحنا لم يقل، انا هو، بل قال: هوذا…. وهذا اعتراف صريح، موقف حقيقي يعبر عن موقف انساني رائع، يوحنا، يعرف مكانه، حتى وإن كان صغيراً أو خادما، فهو يعترف بمهمته ومكانته، ويعطي الفرصة ليسوع ليأخذ مكانه الحقيقي…. إلى أي درجة نحن اليوم نعطي الفرصة للآخرين لياخذوا اماكنهم الحقيقية؟…..
عادة ما تسيطر علينا هذه النظرة، أو بالأحرى هذه العقلية، ان نحطم الآخرين، ان نجهض مشاريعهم، وخاصة عندما يبدءون يحققون النجاح، في مهمة أو رسالة معينة…… فهل نستطيع ان نجعل من نجاحات الآخرين فرصة لنعبّر من خلالها عن قيمة الآخر؟…. ربنا اليوم يدعونا إلى ان ننظر للحياة لا فقط من وجهة نظرنا الشخصية، ومن جهة نجاحاتنا نحن، بل أن ننظر إلى الحياة ايضاً من خلال امكانيات ونجاحات وابداعات غيرنا….
المطلوب منها هو ان نكون وحدة واحدة مع الآخر، فنظرتنا السلبية او الدونية او التحطيمية لمشاريع الآخرين، تجعلنا نبتعد عن بعضنا البعض، تجعل كل واحد منا يغرد خارج السرب…. نحن اليوم مدعوون لنكون تماما مثل الآلة الموسيقية، التي تخرج لحنا متناغما جميلاً، بأوتار مختلفة، كل وتر يتعاون مع الوتر الآخر ليخرجوا نغمة جميلة.. هكذا نحن علينا ان نعترف بامكانيات وابداعات الآخرين، فنكون معا سيمفونية جميلة….
لنتذكر دائما، على نظرتنا للآخرين أن تكون نظرة اشخاص يكمّلون ما فينا من نجاحات، ولنضع كل امكانياتنا وامتيازاتنا في خدمة كلمة الرب، وبناء الإنسان الذي نعيش معه…. كل هذه النظرة السلبية، آتية من التكبر، التكبر هو المشكلة الكبيرة في هذه المجال.. الانسان المتكبر هو مثل الطير الذي يطير في السماء، كلما علا، صغُرَ في عيون الناس….
هذا التكامل بين يسوع ويوحنا، جاء نتيجة تواضع يوحنا، فيوحنا مهّد الطريق، ويسوع سار في هذا الطريق، واليوم يسوع لا يدعونا لنسير في الطريق فقط، بل الى التضامن والتكاتف في رسالتنا ومشاريعنا واهدافنا… ولنتذكر دائما مهما ارتفعت رؤوسنا للاعالي، فأقدامنا ستبقى على الأرض، ولنتذكر بالخصوص كلام ربنا: من رفع نفسه وضعها، ومن وضع نفسه رفعها…. آمين