ليسَ سهلا أبدًا ، أن أقومَ بدراسة كاملة لعلم لاهوت المسيح ( الكرستيولوجيّا) ، فعلى من يرغبُ في معرفة ودراسة ” علم المسيح ” ، يبحثُ في الإنترنتْ ، أو من خلال الكتب المسيحيّة اللاهوتيّة السليمة. أنا هنا فقط في صدد ، تبسيط الموضوع ، لا دخول في تعقيدات القضيّة ، التي تكلّم بها اللاهوتيون من خلال النقد التاريخيّ ، واللاهوت المدرسيّ ، والقضايا الأخرى الكثيرة التي طُرِحَت في القرنين الرابع والخامس بخصوص سرّ المسيح ( الإله – الإنسان ) ، التي تحتاجُ لدراسة أكاديميّة طبعًا. هنا ، أنا سأعتمدُ فقط ، على المجمع الخلقيدونيّ ، الذي هو الوثيقة الرسميّة الصريحة للإيمان المسيحيّ ، بما يخصّ شخص يسوع المسيح ( لاهوته وناسوته ) . وعلى ما ذكرهُ مجمع أفسُس ( حول الخطابين التصاعديّ والتنازليّ ، وحول قضيّة نسطوريوس ، وقضيّة التعابير واللغة والمصطلحاتْ ) .
فلقد ركّز الأول دائمًا على التوازن بين الوحدة والتمييز ، وكذلك بين الألوهيّة والإنسانيّة . والثاني على الوحدة بين الألوهيّة والإنسانيّة في شخص يسوع . وهذا التوازن ضروريٌّ ، لكنه صعبٌ جدّا في التطبيق العمليّ والفهم الآن . لكنّي أيضًا ، سأعطي بعضا من المفاهيم حول علم المسيح ، وتلميحات ٍ لما يقالُ اليوم ، كما قيل سابقا عن مفهوم ” الشخص ” ، أو ” الطبيعة ” ، أو ” الأقنوم .. لكنْ بعيدًا عن التضاربات والمشاحنات التي حصلت بين المدرسة الأنطاكيّة والمدرسة الإسكندريّة . لا نقدرُ أن نقول ، إن الواحدَ منهما هو على حقّ والآخر على خطأ ، أو إنّ الإثنين على صواب ، والإثنين على خطأ ، لا بل كلٌّ منهما يحملان بصيصًا من حقيقة عميقة.
قبل كلّ أمر ٍ ، لابدّ لنا من معرفة ، أنّ الألوهيّة والإنسانيّة ( اللاهوت والناسوت ) في شخص يسوع المسيح ، ليستا كمّيتان في شخص ، مضافتانْ إليه ، وكأنّ القضيّة موضوعٌ تحتَ الاختبار العلميّ ، يمكنُ ( وهذا لا يقبلهُ المنطق ولا العقل ) ، أن نُجريَ عليهما شرحًا وتفسيرًا علميّا ، تاريخيّا ، نأخذهما كنقطة إنطلاق تاريخ يسوع من رحم العذراء مريم ، ونقولُ بإن هذا الشخص المولود من رحم مريم ( بحسب التاريخ الحصريّ المستندُ إلى الوثائق ) .. هو نظريّا إلهٌ وإنسانٌ أتى من فوق ، وكأننا هنا ، نضعُ التاريخ في جهةٍ مجهولةٍ ، وبهذا نُنكِرُ حقيقة تاريخ يسوع الناصريّ المولود في عهد بيلاطس البنطيّ . ونحنُ نعرفُ ؛ خصوصًا في النصوص التي تتكلّم عن ولادة يسوع ، والحبل البتوليّ ، التي هي ليستْ تحقيقات ٍ من موقع الحدث ، بسبب بسيط جدّا ، هو أنّ لا أحدَ كان موجودًا في لحظة ظهور الملاك لمريم وإخبارها ” الخبر المفرح بولادة يسوع من الروح القدس ” ، كما في حادثة ” تجارب يسوع ” ! مثلا … لهذا ، لا نقدرُ أن نقولَ بإنّ الحادثة َ هي تاريخيّة من موقع الحدث ، كتاريخ حصريّ بحتْ ، بل لها دلالات ٍ لاهوتيّة إيمانيّة ( يسمّيها الكاردينال جان دانيلو – مدراشيّة ) . لا يُنكَر الحدث الواقعيّ ، فالإيمان من دون تاريخ هو هباءٌ وتزييف ، والتاريخ من دون إيمان وكشفٌ إلهيٌّ ، يُمسي التاريخُ حالة تشبه ” مقبرة نظريّات ، ويصبح الإنسان شبيهٌ بالمسخْ ! ” .
يتبع