المسيح أتّم المعجزات بقوّة الآب، فما الفرق بينه وبين الإنبياء الأخرين؟

طرح علينا الصديق يوسف عدّة أسئلة حول هوّية يسوع المسيح وقارنه بأنبياء وبأشخاص من العهد القديم، قاموا بدورهم بمعجزات وخوارق، أقاموا الموتى، أخضعوا الطبيعة رغم أنّهم مجرّد أنبياء غير مساوين لله في جوهر ألوهته.

Share this Entry

ولأنّ صفحتنا هذا تفترض الإقتضاب بالإجابات لتسهيل الفهم، ارتأينا أن نقسم سؤال الصديق يوسف الى عدّة أسئلة نجيب عليها بالتتالي.
سوف نجيب اليوم سوف الجزء المتعّلق بهوّية المسيح:

يسأل يوسف: بعد ان احيا المسيح الميت قال في يو ١١، ٤٢ يقول الإنجيليّ يوحنّا: ” ايها الاب اشكرك لانك سمعت لي وانا علمت انك في كل حين تسمع لي ولكن لاجل هذا الجمع الواقف قلت ليؤمنوا انك ارسلتني” إذن لم يفعل المسيح هذا بارادته المطلقه بل طلب من الله اعطائه القدره . ويورد الأخ يوسف عدّة مراجع من العهد الجديد لأقوال للمسيح وللرسل تدخل في الإطار نفسه (يو ٥، ٣٠؛ يو ١٠: ٢٥؛ أع ٢؛ ٢٢ على سبيل المثال لا الحصر).

لنفهم قول يسوع هذا، لا بدّ من أن نفهم طبيعة العلاقة التي ترتبط المسيح الكلمة بالله الآب، وبالتالي لا بدّ من الحديث عن حقيقة الثالوث الأقدس بالقدر الّذي يُتاح لفهمنا البشرّي إدراكه. سوف نتكلّم عن الآب والإين فقط هنا لئلا نستطيل في الكلام، لا سيّما وأن السؤال يتعلّق بعلاقة المسيح الإبن بالله الآب:

– إن علاقة المسيح الكلمة بالله بالآب هي علاقة وحدة الطبيعة، أي أن الكلمة- الإبن والله الآب يشتركان في الطبيعة الإلهيّة الواحدة. هما يختلفان من ناحية الأقانيم، أي الأشخاص الإلهيّة، فالآب ليس الإبن والإبن ليس الآب.
والإختلاف أيضاً من ناحية الخصائص أو المميّزات، فالقول أن الإبن مساوي للآب في الجوهر لا يعني أن الآب والإبن لهما نفس “الوظائف أو المميّزات الثالوثيّة”:
– الآب هو المصدر الأزلي، وهو رأس الإلوهة، هو الّذي أخرج الإبن منذ الأزل (لذلك نقول عن الإبن: مولود غير مخلوق مساوي للآب في الجوهر الإلهيّ)، والآب هو الّذي بثق الرّوح منذ الأزل بواسطة الإبن كما يقول أغسطينوس.
– الإبن هو صورة جوهر الآب، هو الّذي نال مسحة الرّوح القدس منذ الأزل، أي أنّه الّذي خرج من الآب كتعبير عن حبّ أزليّ أبدّي. خروج الكلمة من الأب، ومسح الكلمة بالرّوح القدس منذ الأزل قد أكتمل في التاريخ عبر التجسّد ليتمّ الفداء. عمل تمّ كتحقيق لإرادة الآب بأن يعطي الحياة من جديد لآدم العاصي.

– ولكن حين نقول أن المسيح تممّ إرادة الآب، وأن كلّ ما قام به كان باسم الآب، وأن قيامة المسيح نفسه من الموت كانت بقوّة الأب، كلّ هذا لا يعني أن دور المسيح كان غائباً. فإرادة الإبن هي دوماً في وحدة حبّ وتناغم مع إرادة الآب، وما أتّمه الإبن، فقد أتمّه باسم هذا الإتّحاد الإلهيّ، وبوحدة الحبّ التي تكوّن وحدة الهدف: لقد شاء الله الآب خلاص البشر، وشاء الإبن خلاص البشر. عمل الفداء قد أتّمه المسيح بطاعته لله، آخذاً صورة آدم الجديد المطيع لله، لا العاصي ارادته. كلّ ما أتّمه الإبن، فقد أتمّه هو باتّحاد دائم ومطلق مع الله الآب، لقد كان الخلاص منهما كليهما كما لو من مصدرٍ واحدٍ، مصدر الإله الواحد.

– في كلّ أعمال الطاعة التي قام بها، كان المسيح يعيد صياغة وخلق إنسانيّتنا الساقطة ليعيدها على صورة الإنسانيّة التي أخذها هو ورفعها الى مستوى طاعة البنين. المسيح الإين بطاعته لله الآب، وبرغبته في تحقيق مشيئته دوماً، كان يعيد تصوير صورة آدم ما قبل المعصية في بشريّتنا. لقد جاء ليعيدنا بطاعته للآب الى حالة الإنسان الّذي يدخل في علاقة حبّ وطاعة وصداقة مع الله مصدره وغاية وجوده.

– لا يجوز أن نمزج بين الإلوهة والإنسانيّة في شخص المسيح، فهو اله كامل وأنسان كامل: الألوهة في المسيح لم تلغِ الطبيعية البشريّة، والطبيعة البشريّة لم تمتزج بالألوهة أو تذوب فيها. المسيح هو اله كامل، مع كلّ ما للطبيعة الأولى من مميّزات، وهو إنسان كامل، شاركنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. وبالتالي، فحين نتكلّم عن المسيح الّذي يجهل “تلك الساعة”، فنحن نتكلّم عن المسيح ابن الإنسان الذي أ خلى ذاته وصار مثلنا، ليس فقط ليشترك معنا في محدوديّة المعرفة (وهو في ما يتعلّق بالمسيح موضوع جدل شائك بين اللاهوتيّين)، ولكن خاصّة ليعيد انسانيّتنا الى علاقة التواضع الفكريّ والوجوديّ: آدم وحوّاء أرادا أن يكونا “مثل الله، يعرفان الخير والشرّ”، المسيح كجواب على هذا قال: “لا أعرف”، أي أنّه أعطى للإنسان القدوة الأسمى في وضع كلّ وجودنا بين يدي الآب، لأنّنا نعلم أنّنا بين يدي إله يحبّنا ويعطينا الخلاص. قول المسيح “أمّا تلك الساعة فلا أحد يعرفها ولا حتّى ابن الإنسان” هي ليست علامة جهل، بل هي علامة ثقة بالله واستسلام بين يديه لأنّه هو مصدر خلاصنا.

سوف نعود الى هذا الأمر ونوسّعه أكثر حين نجيب على سؤال يوسف الثاني: ما أهمّية الولادة العذرية وأين الجديد فيها، لا سيّما أن الله قد اجترح أمراً أعظم: أخرج أدم من التراب، دون أب ولا أم.
فالى اللقاء.

*

الأب بيار نجم، راهب ماروني مريمي، مختص بالكتاب المقدس ومدير موقع “شريعة المحبة

Share this Entry

الأب بيار نجم المريمي

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير