حضور الله في تاريخ شعب اسرائيل حافل بالاحداث والمؤازرة لشعبه… واختبر هذا الشعب حضور الله معه، منذ خروجه من مصر ومسيرته في ارض سيناء والى وصوله الى الارض التي تدر لبنا وعسلاً… هذا هو وجه الله الذي اختبره وعرفه شعب اسرائيل بداية (الله المحرر)… وكان موقف الله الحاضر والقريب معهم، كافياً ليؤسس الشعب مسيرته عليه، متوجهين بنظرهم نحوه، شاكرين أياه على حضوره ونعمه… ولكن تبدأ هذه المسيرة والعلاقة تتفكك، عندما يحوّل الشعب أنظاره نحو آلهة أخرى غير الله الذي حرره والتزم معه، عندما يحاول الشعب ان يتوقع ويخضع الله لتصوراته ومقاييسه… وما اكثر الاحداث التي يرويها لنا الكتاب المقدس والتي تظهر لنا كيف ان الشعب زاغ نحو آلهة أخرى وانحرف عن عبادة الإله الحقيقي، نتيجة تعلقه بآلهة أخرى…
اخطر ما يواجه الإيمان هو أن تتحول الوسيلة إلى هدف، والثانوي إلى أساسي… هذا ما يحاول إنجيل اليوم تسليط الضوء عليه… يحاول يوحنا ان يقدم يسوع ككلمة الله الذي كان عند الآب منذ الازل، ويدعم تقديمه هذا بمعجزات واحداث فائقة يقوم بها يسوع كما نرى في الفصول الاربعة الاولى من انجيل يوحنا (شفاء العليل في بيت حسدا، شفاء طفل في كفر ناحوم، لقاء مع السامرية، طرد الباعة من الهيكل، تحويل الماء الى خمر) وأيضا يقدم يسوع في مواقف جدالية مع اليهود التي فيها يسوع يقدم نفسه كأبن الله، والاعمال التي يعملها هي بدعم كامل من الله، والشاهد الحقيقي لكل اعماله وتعاليمه هو الله…
الله احب العالم، وبقي يحاول ويحاول ليرجع اليه العالم، رسل كثيرون أشاروا إلى يسوع، لان به يكون كمال كل شيء، هو الطريق الذي لا من اجله ولكن من خلاله نصل إلى الآب، أساسنا وهدف حياتنا…
يسوع أيضا يعبّر عن هذه الوحدة بينه وبين الآب، هو يشهد لي، فلا شيء في العالم، لا معجزة ولا تعليم ولا أي شهادة من إنسان تشهد ليسوع وتعطي له شرعيته ووجوده كطريق حقيقي، الآب وحده هو الشهادة الحقيقية، فيسوع يبشر به، فالله هو المُعلِن والمُعلَن عنه… ويسوع هو البشير والبشارة نفسها…
المشكلة تكمن في ان شعب اسرائيل يريد ان يضبط الله وفق مقاييسه الانسانية وتوقعاته هون في الوقت الذي يبقى الله حراً في علاقته بشعبه، فهو يكشف نفسه كما يريد من اجلهم (أهيه أشير اهيه – اكون من اكون من اجلكم) ولكن الشعب يحاول ان يملي على الله الطريق، فيفتش في الكتب عن ما يدعم رؤيته الضيقة، فيقعوا في فخ العمى وعدم الاصغاء لكلمة الرب – مشيئته، وبالتالي يضيعونن لا يرون يسوع (كلمة الله ومشيئته) لذلك يخسرون يسوع… لم يتوقعوا ا نياتي إليهم الله إنساناً بسيطاً، وهنا تكمن المشكلة، عندما تريد ان تتوقع الله، والله سبله غير سبلنا وطرقه ليست طرقنا… لهذا يسوع يقول: ” 39تَتصَفَّحونَ الكُتُب تظُنُّونَ أَنَّ لكُم فيها الحَياةَ الأَبديَّة فهِيَ الَّتي تَشهَدُ لي 40وأَنتُم لا تُريدونَ أَن تُقبِلوا إِليَّ فتَكونَ لكُمُ الحَياة” …
لهذا دعوة لنا اليوم ان لا نقيد الله وفق تصوراتنا، وان لا نتوقعه وان لا نخضعه لإرادتنا، بل عيلنا ان نخضع لارادته فهو احبنا اولا.. ودعوة لنا اليوم لنتصفح الكتب ونقرا علامات حضوره في التاريخ، فهوية الله الحقيقية، هي انه يعمل في التاريخ مع الإنسان، هويته هي انه حاضر مع الانسان ليخلصه في كل زمان ومكان.. يكفي للإنسان ان ينفتح على نعمته ومشيئته ويصغي اليها ويتقبلها ويسير بموجبها… ان ندعه هو يكشف ذاته لنا، كما هو يريد، فكل ما يفعله هو كامل ويحقق الخلاص لإنسانيتنا… آمين