نسمع في بعض الاحيان أن الله يعاقب بعض الشعوب الخاطئة من خلال الكوارث الطبيعية. ما هو موقف الكنيسة الرسمي فيما يخص الكوارث الطبيعية؟

للجواب على هذا السؤال المهم يجب أن ننطلق من الكتاب المقدس. كما نعرف الكتاب المقدس ليس “كتاب الأجوبة الجاهزة”. وهو لا يقدم نظرة واحدة حول المسائل بل يقدم بالحري مسيرة نحو نضج أكبر وأعمق يؤهلنا لِفَهْم منطق الله وفكره، أو أقله الاقتراب منه. فبينما نرى في الأسفار الأولى نظرة تبين وكأن الله يرزق من يرضيه ويعاقب من يخالف وصاياه. راجع مثلاً خُبُرات شعب إسرائيل، وبتحديد أكثر: قراءة إسرائيل لتاريخه. ماذا نلاحظ؟ نلاحظ أن الكتاب يروون أنه عندما يبتعد الشعب عن الله تصيبه النكبات، بينما عندما يتوب ويعود إلى الله تعود عليه الأيام بالخير.

Share this Entry

جواب الكتب الحكمية

إلا أن الكتب الحكمية رفضت هذا المنطق المبسط الذي لا يطابق الواقع الملموس. يلمع بين هذه الكتب سفر أيوب الذي يسرد لنا قصة رجل صالح تعرض لاستنزاف تدريجي لموارده، لعائلته ولممتلكاته وصولاً إلى “المس بعظامه” فبات منظره مدعاةً للحسرة. يأتي إلى زيارة أيوب أصدقاؤه من أتباع النظرات اللاهوتية التقليدية القائلة بأن بؤس الإنسان هو ثمرة خطيئته وازدهاره هو ثمرة بره. ولكن نظريات أصدقاء أيوب لا تنطبق عليه. فهو لم يُخطئ تجاه الله، بل بالعكس. وكل مسيرة الكتاب تبين ضلال نظرية المجازاة في هذه الحياة.

وتتابع الأسفار الحكمية الأخرى التفكير بهذه الأمور فنرى في سفر الحكمة مثلاً تأملاً بأحداث تجري في أيامنا أيضًا، وهي الظلم الذي يتعرض له الأبرار. فلننقل النص ثم نأخذ العبرة. يقول الأشرار في ما بينهم: “لنظلم البار الفقير ولا نشفق على الأرملة ولا نهب شيبة الشيخ الكثيرة الأيام. بل لتكن قوتنا شريعة العدل فإنه من الثابت أن الضعف لا يجدي نفعا. ولنكمن للبار فإنه يضايقنا يقاوم أعمالنا ويلومنا على مخالفاتنا للشريعة ويتهمنا بأننا نسيء إلى تأديبنا. زعم أن عنده علم الله ويسمي نفسه ابن الرب. صار لوما على أفكارنا وحتى منظره ثقل علينا لأن سيرته لا تشبه سيرة الآخرين وسبله مختلفة أمسينا في عينيه شيئا مزيفا ويتجنب طرقنا تجنب النجاسات. يغبط آخرة الأبرار ويتباهى بأن الله أبوه. فلننظر هل أقواله صادقة ولنختبر كيف تكون عاقبته. فإن كان البار ابن الله فهو ينصره وينقذه من أيدي مقاوميه. فلنمتحنه بالشتم والتعذيب لكي نعرف حلمه ونختبر صبره. ولتحكم عليه بميتة عار فإنه سيفتقد بحسب أقواله”.

هذا ما يقوله الأشرار بحسب الفصل الثاني من سفر الحكمة. ولكن ماذا يقول النص بشأنهم؟

“هكذا فكروا، ولكنهم ضلوا لأن شرهم أعماهم فلم يعرفوا أسرار الله ولم يرجوا جزاء للتقوى ولم يقدروا تكريم النفوس الطاهرة. فإن الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله صورة ذاته الإلهية”.

النص يتحدث عن جزاء الأبرار، ليس فقط في هذه الحياة، بل في الحياة الآتية، ويبدأ بالحديث عن قيامة الأموات، لأن الله لم يخلقنا للفساد، بل خلقنا على صورة ذاته الإلهية الأبدية.

رأي يسوع

ويتابع يسوع في العهد الجديد نقد ونقض فكرة أن النكبات تصيب الأشرار فقط فيقول في موضعين على الأقل:

نقرأ في لوقا 13: وفي ذلك الوقت حضر أناس وأخبروه خبر الجليليين الذين خلط بيلاطس دماءهم بدماء ذبائحهم. فأجابهم: “أتظنون هؤلاء الجليليين أكبر خطيئة من سائر الجليليين حتى أصيبوا بذلك؟ أقول لكم: لا، ولكن إن لم تتوبوا، تهلكوا بأجمعكم مثلهم. وأولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم، أتظنونهم أكبر ذنبا من سائر أهل أورشليم ؟ أقول لكم: لا ولكن إن لم تتوبوا تهلكوا بأجمعكم كذلك”.

ماذا يقول يسوع هنا؟ – النكبة لا يجب أن تكون مدعاة لكي نحكم على الآخرين الذين أصيبوا بها. فنحن لسنا أفضل منهم. بل يجب أن تذكرنا النكبات بأنه يجب أن نتوب. فهلاك من لا يتوب هو أسوأ من أي ضرر مادي قد يصيبه، هو هلاك النفس الأبدي.

وفي نص آخر، في إنجيل يوحنا الفصل التاسع يجيب يسوع تلاميذه الذين يفكرون بنفس المنطق القديم:

وبينما هو سائر رأى رجلا أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه: “رابي، من خطىء، أهذا أم والداه، حتى ولد أعمى؟”. أجاب يسوع: “لا هذا خطئ ولا والداه، ولكن كان ذلك لتظهر فيه أعمال الله. يجب علينا، مادام النهار، أن نعمل أعمال الذي أرسلني. فالليل آت، وفيه لا يستطيع أحد أن يعمل. مادمت في العالم. فأنا نور العالم”.

هنا أيضًا جواب يسوع يُخرج تلاميذه من دائرة السؤال الذي فتح هذه المقالة. لا يمكننا أن نربط بين تصرفات هذه الحياة والجزاء، فالجزاء الأخير ليس في هذه الحياة! ما يقوله يسوع في هذا النص الثاني هو أنه يجب أن نقوم بأعمال الآب، أن نعمل على انتشار الخير في وجه الشر. هذا هو جوابه. ليس جوابًا فكريًا مجردًا، بل جوابًا ملموسًا وعمليًا، هو دعوة للالتزام في تحويل الشر إلى الخير وفي تعزيز انتصار الخير.

هذا ولو كان جزاء البرارة والخطيئة في هذه الحياة وحسب، لما كان يسوع مُس بشوكة! فهو القدوس الذي لا خطيئة فيه. ولما كان هناك أي قديس شهيد…

رأي الكنيسة لا يمكن أن يكون مغايرًا لرأي يسوع. بالطبع هناك أنواع من الشرور تحمل معها ثمارها. فالشر يؤذي بحد ذاته. ولكن، لا يمكننا، انطلاقًا من تطور الفكر في الكتاب المقدس القول بأن الله يعاقب شعوبًا بأكملها على أخطائها. العالم له قوانينه و “استقلاليته” والله سمح لهذا العالم أن يكون وهو لا يتدخل فيه كما لو كان مسرح ماريونيت.

أود أن أختم بنهفة واعظ أميركي لا تحتاج للشرح، إذ يقول في صدد ما قلناه: “عزيزي، عندما تكون على منعطف السرعة القصوى فيه 30 كلم، وأنت تسير بسرعة 220، لا تظن أن الله مضطر أن يخلصك لأنك تسمح لقناة مسيحية على الراديو!”.

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير