إنجيل اليوم يسلط الضوء على قضية أساسية في تاريخ الخلاص: الجيل الآتي يحمل الأمل والرجاء للجيل الزائل…
هناك لقاء في الهيكل، بين الطفل يسوع وشمعون الشيخ، يسوع الذي يمثل العهد الجديد والخلاص للعالم المنتظر مجيء المخلص بكل رجاء… ترى الكنيسة العالم القديم الزائل وبزوغ فجر جديد للبدء مع المسيح لعهد جديد، يحمل فيه الإنسان قلباً من لحم ودم… صرخة شمعون الشيخ، تأكيد بان ليس على الإنسان ان ينتظر مجيء الرب وخلاصة، لأن الخلاص قد تحقق، والباب انفتح، وليس على الإنسان إلا قبوله والسير نحو الملكوت وإعلان الخلاص للعالم أجمع..
غروب وظلامُ ليلِ انتظارٍ طويلٍ، يبدده بزوغ فجر جديد في يسوع.. ليست العملية دائرية، يوم يليه ليل ويوم آخر وهكذا دواليك.. في يسوع، لا وجود لليل أبداً بعد اليوم، بل تبقى شمس الرجاء مشرقة إلى الأبد… فمع يسوع، الجيل القديم يتراجع معطياً المجال للجيل الجديد ليحمل الامانة ويكمل المسيرة…
ليست المسألة دخول افكار جديدة فقط، فلو كانت كذلك، لما كان هناك امل للجيل القديم، القضية أبعد واعمق… يسوع (الجيل الجديد) ليس املاً لنفسه فقط، ولكنه امل للجميع، امل يمتد للأبد، يحمل الجيل القديم ويجدده ويحيه، أمل للجميع (للقديم والجديد) أمل يمتد حتى ما وراء الموت، فيحيا الجيل الزائل بالجيل الجديد الآتي….. هذا هو الرجاء الذي اعطاه يسوع لنا، حياة جديدة لا تنتهي أبداً…
في هذا العيد، وخلال القداديس التي تقام في الكنائس، تُبارَك الشموع وفق رتبة طقسية خاصة…. الشمعة المنيرة تشير إلى يسوع الذي هو نور العالم، والإنسان حامل الشمعة يمثل شمعون الشيخ الذي حمل يسوع وقال: إن عينيّ قد رأتا خلاصك. والمؤمن الذي يحمل الشمعة (يسوع)، يرى نورها فيعلن مع شمعون عن رؤية الخلاص….
هذا النور، هو صرخة العالم المتخبط في اللامعنى والفوضى والحروب والقلاقل، ليبصر النور ويرى الطريق نحو الخلاص، إنها صرخة العالم الملوث بالخطيئة، طالباً التطهير من كل ما هو بالي، وليتغلب على قوة الظلام، ليلبس الثوب الجديد، ثوباً يليق بأبناء الملكوت… فالتاريخ والعالم سيبقى فساد وفوضى إن لم يكن متجهاً نحو هدف حقيقي، هدف يبقى للأبد، هدف يحتوي في ثناياه كل الاهداف والحقائق الاخرى، فتلتئم الجروح وتبتسم الشفاه وتتلألأ العيون مبصرة تجلي نور مجد الله…
شمعون الشيخ هو مثال الإنسان المنتظر بأمانة، حلول الخلاص، ويرى حقيقة هذا الخلاص في شخص يسوع ويقبله…. حياة شمعون فوضى ولا معنى لها إلا في هذا الانتظار للخلاص، وفي تحقق الخلاص وقبوله له….. كذلك الإنسان، ستبقى حياته فوضى إذا لم ينتظر انتظاراً فعّالاً، انتظاراً لتحقيق الخلاص في يسوع، فيحمله بين يديه ويعلن البشرى للعالم، فلا يكون هو، بل يختفي ليُشرِقَ نورُ يسوع…
الله لا يستغني عن الإنسان في عمله، فهو من البدء اختار شعباً ليدخل معه في حوار يكشف من خلاله عن جوهره وطيبته فكان كشف الله لشعب اسرائيل هكذا: أكون من أكون من أجلكم ومعكم أينما كنتم، هذا الكشف كان مليئاً بالحب الخالص ولا زال… وفي العهد الجديد لا ييأس الله من الإنسان، بل له الثقة بان في الإنسان الخير والاستعداد للمشاركة في الخلاص… ففي يوحنا، الإنسان يهيئ طريق الرب، والرب يأتي ويعلن الخلاص، وفي شمعون الشيخ، الإنسان له دور فعّال في إعلان تحقيق الخلاص وبزوغ الفجر الجديد بنور يسوع…
<p>هذه هي الكنيسة، اناسٌ جدد، يحملون في كينونتهم جوهر الجيل القديم، ليقدموه للعالم بصورة جديدة، هكذا تتواصل وديعة الإيمان انتقالها من جيل إلى جيل بأمانة، من الجماعة الأولى (كنيسة الرسل) إلى تلاميذ ورسل يسوع اليوم، الذين يجسدّون فرح وقوة الانطلاقة الأولى لكنيسة الرسل…. ليكون العالم منيراً وحسناً جداً، في عيد بزوغ النور الذي يظهر من خلال الإنسان الأمين والمنتظر خلاص الرب… آمين…