أبدأ "الجواب عالطاير" بكلمة من رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس. يتحدث بولس، المرتد عن الفريسية - وهي فرع متشدد وتقليدي من الدين اليهودي - عن الإنطباع الذي يعطيه يسوع، الذي يؤمن المسيحيون أنه الرب، لليهود الذين يطلبون الآيات واليونانيين الذين يطلبون الحكمة. فيقول عن بشارة المسيح لهؤلاء: "هي شك لليهود وحماقة للوثنيين". لم ذلك؟ لأن حكمة الله التي تجلت في المسيح تفوق منطق البشر وحساباتهم وتوقعاتهم، إلخ. ويقول في الرسالة أيضًا: "إن لغة الصليب حماقة عند الذين يسلكون سبيل الهلاك، وأما عند الذين يسلكون سبيل الخلاص، أي عندنا، فهي قدرة الله. فقد ورد في الكتاب: ’سأبيد حكمة الحكماء وأزيل فهم الفهماء‘. فأين الحكيم؟ وأين عالم الشريعة؟ وأين المماحك في هذه الدنيا؟ ألم يجعل الله حكمة العالم حماقة؟ فلما كان العالم بحكمته لم يعرف الله في حكمة الله، حسن لدى الله أن يخلص ألمؤمنين بحماقة التبشير؟".

ما معنى مقولة بولس؟ ولماذا رجعت إليها؟ لأن الجواب على السؤال أعلاه يتطلب الولوج في حكمة الله وتدبيره في يسوع المسيح. ويتطلب بالتالي تبدل نظرتنا نحو كلية قدرة الله وجبروته. الإنسان يظن أن الله القدير على كل شيء يعني القوة اللامتناهية. ولكن في المسيح، أظهر الله أن كلية قدرته، ليست مثل سلطان أمبراطور أو فرعون أو سوبرمان أو قنبلة ذرية، بل هي مغايرة. صفات الله الحسنة تُصرف على قاعدة المحبة. (للتعمق بهذه الفكرة من الممكن مراجعة هذه المقالة). قدرة الله الكبرى هي المحبة، وهي قدرته أيضًا أن ينحني. لا أن يكون أكبر وحسب بل أن يضحي صغيرًا. فلو كان فقط قادرًا على الكبر دون الصغر لكان محدودًا، مثله مثل البشر. حاشا!

كيف تظهر كلية قدرة الله في المسيحية؟ في حبه "المجنون" واللامتناهي للبشرية، حبه الذي بدّل شاول القاتل إلى بولس الرسول. ولِمَ ارتد بولس؟ فلنسمع حجته من فيه: "ما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا في. وإذا كنت أحيا الآن حياة بشرية، فإني أحياها في الإيمان بابن الله الذي أحبني وجاد بنفسه من أجلي" (غل 2، 20). كلية قدرة الله في حياة بولس ظهرت في قدرته على إظهار محبة الله لهذا الفريسي الغاضب، فحرره من قيود الشريعة الأرضية ليربطه بشرع السماء الذي ينبع من طبيعة الله، شريعة المحبة.

ولذا، فتجسد الله في يسوع المسيح ليس تحقيرًا لله بل إقرارًا بأن الله على كل شيء قدير، وليس فقط على الأشياء العظيمة. على "كل شيء". وما من أحد يحق له أن يتفلسف على الله ويقول له: "لا يجوز لك". فلما بطرس قال هذا ليسوع، نعته يسوع بـ "الشيطان". الله يفعل ما يشاء، وقد شاء التجسد في يسوع المسيح لخلاص البشرية. وفي محدودية الإنسان أظهر أنه الله اللامتناهي حقًا، في صغر البشرية أظهر كبر الله تعالى، في انحداره أظهر سموه، في ضعفه أظهر قوة محبته.

التجسد كان أمرًا حقيقيًا وليس مجرد تمثيلية ولذا عاش يسوع راضيًا ومختارًا كل ما يعيشه الإنسان. فالكتاب المقدس يقول فيه: "صار مثلنا في كل شيء ما عدا الخطيئة". كل شيء: أي في الحاجات والضعف والألم والتعب. وقد تتساءل: ألا يشكك هذا؟! أقول لك: لو شئت أن أبتكر إلهًا، لما كنت ابتكرته هكذا، لأنه يسمو على عبقريتي، ولكن لما كشف الله عن ذاته بهذا الشكل، لم أعد أقبل إلهًا إلا هذا. وحده الإله الذي ينزل إلى أعماق بشريتنا هو إلهي. وحده الرب الذي لا يحتقر ما خلق من علق يستحق عبادتي. له المجد لأنه أخذ ما لنا ووهبنا ما له. صار إنسانًا ليؤله الإنسان.

أود أن أنهي بصلاة مارونية قديمة:

وحدت يا رب لاهوتك بناسوتنا، وناسوتنا بلاهوتك

حياتك بموتنا وموتنا بحياتك.أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك

لتحيينا و تخلصنا لك المجد الى الأبد.