يحتلّ الموت في الأدب منزلة مرموقة، ولقد ثأر بذلك لنفسه من الذين ينكرونه ويعدّونه أمرًا عديم الشأن ، على طريقة أبيقورس الذي قالَ : لا صلة للموت بالأحياء ولا بالأموات ، لإنه ليس شيء بالنسبة إلى الأوّلين ، ولإن الآخرين لم يعودوا على قيد الحياة ” . ويثأر من الذين يُخفونه كــ ” فزّاعة مريعة ” . في الواقع ، لا فائدة من إبعادَ شبح الموت ، إمّا إلى ما هو عديم الشأن ، وإمّا إلى ما هو مريعٌ . نعرفُ من علم الإجتماع بإنّ الموت ينادي كلّ المجتمعات البشريّة . ولقد قال جوزيف بيبر : أن كلمة الموت ، في إحدى صحف أمريكا المرموقة ، لا يجوزُ أن تُطبَع ؛ حتّى مؤسّسات الدفن الأمريكيّة تسعى ، من خلال أنظمة لغويّة خاصّة ، إلى أن تجتنبَ قدر الإمكان ذكر الموت . وغيرهم ممّن يدعون الموت ، أمرًا محرّما ، أو أمرًا ماديّا تافهًا ، أو حتى إلى كبته … الخ .
سُئل الفيلسوف الصينيّ كونفيشيوس ذات مرّة عن الوت ، فأجابَ سائله : لا تعلم ما هي الحياة ، فكيف تعلم ما هو الموت ؟ في إجابته هذه ، إشارة واضحة إلى إرتباط سرّ الحياة بسرّ الموت ، فكلاهما وجهان لعملة ٍ واحدة .
الكتاب المقدّس ، يُشبّه الموت بــ ” اللصّ ” الذي يفاجئنا (رؤيا 3 : 3 ) . بالرغم من كونه حقيقة مؤكّدة فلم نسمعُ أن أحدًا ممّن سبقَنا لم يمُت ، فلماذا نفاجأ إذا بالموت ؟ وما مصدرُ هذه المفاجأة ؟
بما أنّ الحياة هي بطبيعتها ، نموّ وترعرع ومسير دائم إلى الأعلى والأسمى ، يتحتّم ألا يتوقّف هذا المسير حتى يصلَ إلى المطلق . فكلّما تقدّم الوجود وأرتفعَ ، من الصعب بل من المستحيل أن يتراجعَ . هكذا تكون أعلى صور الوجود تقدّما ، أحقّ في الإستمرار من صورها الأدنى . وكما قالَ العلاّمة الأب اليسوعيّ تيلار دي شاردان ” إن الحياة بمجرّد أن أرتفعتْ إلى درجة الفكر ، لا يمكنُ إطلاقا أن تستمرّ من أن تطلب الإرتقاء إلى المزيد من العلوّ ” . هناك مقولة فلسفيّة مشهورة في القرون الوسطى تقول : ” لا يمكنُ أنْ تكون رغبة الإنسان قائمة على باطل ” .
يقول إيمانويل مونييه ، من روّاد مذهب الشخصانيّة في فرنسا : ” إذا كانت ذرّة من الحديد أو جزئ من الماء لا يعودان إلى العدم ، بل يستمرّان في الوجود ، فكيف تريدون لحياة الإنسان ، بكلّ ما فيها من رغبات وحبّ ، بكلّ ما فيها من أفكار ، كيف يمكنُ هذه الحياة أن تتلاشى تمامًا ؟! ” .
يتبع