لا يُحسب البابا فرنسيس (وهو القادم من أميركا اللاتينية) على مناصري لاهوت التحرير, ذلك التيار الذي نشأ في ستينات وسبعينات القرن الماضي في أميركا اللاتينية. إنه في هذا منضوٍ تحت رأي الكنيسة الرسمي الذي يأخذ على هذا التيار مغالاته في استخدام أدوات التحليل الماركسي في قراءة تاريخ الخلاص. لقد حاول الأب برغوليو عندما كان رئيسا إقليميا ليسوعيي الأرجنتين تجنب الانشقاق في صفوف رهبانيته بين متمحس لطروحات لاهوت التحريرومعارض له خاصة أيام الحكم العسكري في الأرجنتين مع الإبقاء على الأولوية في العمل مع الفقراء دون تسييس العمل الرعائي .
بقي الفقراء في اهتمامات رئيس الأساقفة برغوليو الذي زاد من عدد من الكهنة الذي يخدمون “مدن البؤس” في ضواحي العاصمة الأرجنتينية .
لكن الابتعاد عن لاهوت التحرير لا يعني عدم امتلاك رؤية في موضوع البنى السياسية والاقتصادية ودورها في مكافحة الفقر . فبعد الرسالة التي أرسلها ديفيد كاميرن رئيس الوزراء البريطاني باعتباره الرئيس الدوري لقمة الدول الثماني الكبار إلى البابا فرنسيس لاطلاعه على جدول أعمال القمة المرتقبة في 17 و18 حزيران 2013 في إيرلندا الشمالية (1), أرسل له البابا رسالة رد في 15 حزيران 2013 متمنيا النجاح للقمة وعارضا “مساهمة روحية” لإغناء نقاشاتها (2) .
جاء في الرسالة :
” …. إن هدف الاقتصاد والسياسة خدمة الإنسانية بدءاً بمن هم الأكثر فقرا والأكثر ضعفا أينما وجدوا حتى ولو في أحشاء أمهاتهم. أي نظرية أو عمل اقتصادي أو سياسي يجب أن يعمل ليؤمن لكل فرد من سكان الأرض الموارد الأساسية ليعيش بكرامة وحرية مع إمكانية القيام بأود أسرته وتعليم أطفاله وتمجيد الله وتطوير قدراته البشرية. هذا هو الأساس . بدون هذه الرؤيا كل نشاط اقتصادي ليس له معنى…”
” ..إن التحديات السياسية والاقتصادية الكبرى التي يواجهها عالم اليوم تتطلب تغيير مواقف شجاعاً لإعطاء كلٍّ من الغاية ( الشخص البشري) والوسائل (الاقتصادية والسياسية) مكانها الصحيح. المال وباقي الوسائل السياسية والاقتصادية يجب أن تخدُم لا أن تحكم , دون أن يغيب عن البال ولو بطريقة متناقضة ظاهرياً أن التعاضد المجاني البعيد عن المصالح هو المفتاح لنجاح الاقتصاد العالمي ” .
منذ بداية حبريته بدا واضحا للجميع التوجه الذي يريده البابا فرنسيس في إدارة شؤون الكنيسة : السكن البسيط في مركز القديسة مارتا, البساطة في اللباس والمراسم , التبرع لصالح أعمال خيرية بالهدايا التي يأتيه بها محبوه .
إنها “الكنيسة الفقيرة في خدمة الفقراء” التي يريد البابا فرتسيس العودة إليها .
::::___
(1) بالتحديد في مدينة Lough Erne
(2) يمكن مراجعة نص الرسالة الكامل باللغات الأوروبية على موقع الفاتيكان الرسمي www.vatican.va