يقول الكاردينال راتزِنغَر، في كتابة (مدخل الى الايمان المسيحي) في فصل خاص عن الله الثالوثي في هذا الموضوع ما يلي: “مفهوم الشخص وفكرة الشخص، ولدا في الفكر من خلال النضال في سبيل الصورة التي أبتدرتها المسيحية عن الله، وفي سبيل فهم معنى شخصية يسوع الناصري“.
مفهوم الشخص، هو هذا المستوى الاعظم الذي يجب على الانسان السير قدما الى تحقيقه، في العلاقة مع ذاته، ومع الآخر في ذات الوقت. الشخص هو كائنٌ- من أجل- الآخر، فقط، يتحقق هنا، معنى مفهوم الشخص عند الانسان، عندما يكون وجوده ليس له، لكن للآخرين. علاقة حبّ وتضامن، لكي نكتشف سرّ الذاكرة التي تبقى عند فقدان احدٍ ما. اذا الشخص، هو النهاية والبداية في ذات الوقت. وعندما نقول عن الله “شخص”، فإنه مبدأ العلاقة والخصوبة، والتضامن مع العالم, وكشفُ ما في الكون من أسرار وخبايا، وفي كون الانسان المصغّر، وكشف تعرجات الانسان الداخلية التي تجعله متناقضا مع ذاته ومع الآخرين.. وكأنه في وادٍ غريب، وعالمٍ أغرب، إلاّ في اللقاء مع الآخر، وهذا الآخر يجد فيه الانسان الشخص، كائنا آخر متحاورا معه، لانه في كلّ نفسٍ بشريةٍ، هناك بصمات وآثار الله، وهذا ما قام به شخص يسوع الناصري، ونحنُ الى الان،لم نفهم ما أراده منّا. وسنرى ذلك لاحقا عندما نصل الى يسوع المسيح.
بخصوص مسألة الشخصانيّة داخل كيان الله، يعلّق فولفغانع بينارت استاذ اللاهوت العقائدي في كلية اللاهوت الكاثوليكي بجامعة رغنسبورغ في المانيا، في كتابه (المسيحيّة) ويقول، ان التيار الرئيسي في الفكر اليوناني، يتميّز بالتركيز على أولويّة الوحدة والواحد، ويهملُ بالتالي الفرد (الذي يدلّ على التعدد والكثرة). أما تفكير العهد القديم، فيتوجّه الى الفرد بصفة كونه فردا، وذلك لان، الفرد بصفة كونه فردا، يسمعُ نداء الله يخاطبه، ويستطيع ان يجيب بمسؤولية عن هذا النداء، لكونه يتمتّع بالعقل والارادة. فالناحية الاساسية في كيان الشخص، هي إذن، الحرية. وهذا يتضمّن القول، ان العلاقة باشخاص أخرين، هي أحدى مقومات الشخص، فالشخص، بصفة كونه بالضبط فردا، لا يبقى منعزلا ما دامت هناك كثرة، ويضيف ايضا، اذا كان الله إلها، أعني الاساس الأخير لكل الاشياء، وايضا للإنسان، فيجب أن يكون شخصا (….).
في هذا الخصوص نذكر، إيجازا بفرضيّتين اثنتين من فرضيّات الفيزياء، من شأنهما أن يدلانا في متابعة الفكرة التي نحن في صددها، بما أننا نتكلّم عن العلاقة والجوهر، وهذا ما ذكره الكاردينال راتزِنغَر أيضا.. فقد عرّف إ . شرودينجر بنية المادة، بأنها “حزمٌ من الموجات”، مُحدِثا هكذا في مجال الفيزياء، فكرة كائنٍ غير جوهريّ، بل هو فعليّ فقط، لا تنتج جوهريّته الظاهرة هذه في الواقع إلاّ عن تدامج حركات موجات منضّدة إحداهما فوق الأخرى، لا شك بإن فكرة من هذا النوع، تتيح في مضمار المادة، بكونها قابلةً جدا للنقاش من وجهة النظر الفيزيائية، وفي كلّ الأحوال من جهة النظر الفلسفية. لكنها تتيحُ مقارنة معبرة في موضوع الكيان الفعلي الصرف – الله – هذه الفكرة تتيحُ لنا في أن نتصوّر، أنّ الكائن الأكثف وجوديّا وكيانيّا، الله، يمكنهُ أن يقوم على تعدّد العلاقات، لكن هذه العلاقات ليست جواهر، بل موجات، مع ذلك يؤلّف حقيقة واحدة، بل كمال الوجود.
ويقول القديس اوغسطينوس، ليس في الله أعراضٌ، ليس فيه إلاّ الجوهر والعلاقة.. سنفهم أيضا، لماذا يقول إيماننا المسيحي ويعترف ببنوّة يسوع لله، الإبن هو كائنٌ ليس لذاته، لكن للآخرين، أي أنّ وجوده ليس منه، بل من آخر . وعمله ليس له، بل للآب.