تابع الحبر الأعظم مذكرا بأن القديس يوسف لم يكن أب يسوع، لأن أب يسوع هو الله، لكن يوسف قام بمهام الأب حيال يسوع وساعده على النمو. فكان يسوع ينمو في القامة وهذا يعني أنه كان يكبر من الناحية الجسدية والنفسية، إذ قدم له يوسف ومريم ما يلزم لينمو نموا سليما ويجب ألا ننسى أن العائلة المقدسة لجأت إلى مصر وذاقت طعم اللجوء. فيسوع كان لاجئا مع مريم ويوسف هربا من تهديدات الملك هيرودس. بعدها عادت العائلة إلى وطنها واستقرت في مدينة الناصرة. وخلال تلك السنوات علّم يوسف يسوع مهنته، فأصبح نجارا!
ثم انتقل البابا فرنسيس للحديث عن البعد الثاني من نمو يسوع أي النمو في الحكمة. وقال إن يوسف كان بالنسبة ليسوع مثالا ومعلما في الحكمة، التي تتغذى من كلمة الله. يمكننا أن نفكر كيف ربّى يوسف يسوع على الاستماع للكتابات المقدسة، لاسيما من خلال مرافقته يوم السبت إلى المجمع في الناصرة. وكان يفعل ذلك ليتمكن يسوع من الإصغاء لكلمة الله.
أما فيما يتعلق بنمو يسوع في النعمة فيقول القديس لوقا البشير إن نعمة الله كانت عليه (راجع لوقا 2:40) وهنا بالطبع قام القديس يوسف بدور محدود جدا، قياسا مع ما فعله في مجالي القامة والحكمة. لكن يُخطئ كثيرا من يعتقد أن الأب أو الأم لا يسعهما أن يفعلا شيئا لتربية أبنائهما على نعمة الله. النمو في القامة، النمو في الحكمة والنمو في النعمة: هذا هو العمل الذي قام به القديس يوسف مع يسوع، فقد جعله ينمو في هذه الأبعاد الثلاثة وساعده على النمو.
أضاف البابا فرنسيس يقول إن يوسف كان يعلم جيدا أن يسوع حُبل بها من الروح القدس ومن هذا المنطلق، تصرف القديس يوسف بالتعاون مع الروح القدس ليساعد يسوع على النمو في النعمة. وهذه التربية هي التربية على الإيمان والصلاة والعبادة وقبول مشيئة الله ومخططه. وفيما يتعلق ببعد النعمة، ربّى القديس يوسف يسوع من خلال مثاله أيضا لأنه كان رجلا بارا ترك إيمانه يقوده على الدوام وكان يعلم جيدا أن الخلاص لا يأتي من احترام الشريعة، إنما من نعمة الله ومحبته وأمانته.
في ختام تعليمه الأسبوعي وقبل أن يوجه تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين ـ الذين قُدر عددهم بثمانين ألف شخص تقريبا ـ قال البابا فرنسيس: أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، إن رسالة القديس يوسف كانت رسالة فريدة بدون شك، لأن يسوع هو فريد حتما. ومن خلال اعتنائه بيسوع وتربيته على النمو في القامة والحكمة والنعمة بات نموذجا ومثالا لكل مربٍ، وخصوصا لكل أب. لذا أوكل إلى حمايته كل الوالدين، والكهنة وجميع الذين يقومون بمهام تربوية في الكنيسة والمجتمع.
هذا ثم توجه البابا فرنسيس بالتهاني لجميع الآباء في عيدهم اليوم وقال: أطلب لكم نعمة البقاء قريبين من أبنائكم على الدوام. إنهم يحتاجون لكم، لحضوركم، لقربكم ولمحبتكم. كونوا بالنسبة لهم كالقديس يوسف: اعتنوا بنموهم في القامة والحكمة والنعمة. سيروا معهم وكونوا مربين حقيقيين لهم. ثم سأل البابا القديس يوسف أن يبارك الآباء ويرافقهم، ودعا الجميع للصلاة على نية كل الآباء، الأحياء منهم والأموات، رافعين الصلاة إلى أبينا السماوي.
كما حيا البابا الحجاج الناطقين باللغة العربية، لاسيما القادمين من لبنان والأرض المقدسة وذكرهم بأن القديس يوسف عرف كيف يتخطى ظلام الشك، وخبرة النفي والهرب دون أن يفقد ثقته بالله وبمحبة الله. تعلموا منه أن الثقة بالله وحدها قادرة على تبديل الشك إلى يقين والشر إلى خير وظلام الليل القاتم إلى فجر مشرق.