1. رجل الإصغاء والعمل
إن السمّة الأساسيّة في يوسف أنه رجل صلاة وتأمل وعمل، يعرف كيف يسمع ويصغي لإلهامات الله ويطبقها في واقعه المعيش. لا يفصل بين الحياة الروحيّة وعمله اليوميّ، فهناك وحدة وإتّحاد، ما يهمه أن يكون الله الأول في كل قول وفعل وموقف. يوسف رجل الحوار، ولمّا لم تقنعه مريم بكلامها عن حبلها العجائبيّ بيسوع (راجع، مت: 1: 18) لم يرد حينها إتّخاذ مواقف تعسّفيّة أو إنتقاميّة بحقّها. فكّر وقرّر ألا يشهِّر بها إتخذ موقف الصامت بخفر، رافعاً شكواه الى العليّ (راجع، مت 1: 19؛ 141: 1؛ 143: 8) فأراد أن يطلّقها سرًّا ليتوارى عنها. غير أن الله سيّد الأحداث لا يتخلّى عن متّقيه (راجع، يه 7: 30) لأنه ستر لهم (مز32: 7)، يرسل ملاكه القدّيس الى يوسف في الحلم ليلاً ( راجع، مت 1: 20) وما كان يجول في خاطر هذا الأخير من ظنون وشجون تبددت أمام كلام الملاك، وللحال قام يوسف مسرعاً ففعل ما أمر به، فأخذ مريم الى بيته لأنّ «الذي كوّن منها هو من الروح القدس» (مت 1: 20). وهناك سيختبر في بيته وعن كثب قيمة الخدمة، فالذي يخدمه هو الرب الحال في مريم، لذلك سيعمد جاهداً في عيش التنقيّة والطهارة والوقار والطاعة، كيف لا وهو الكاهن الذي عاش معنى الخدمة بإمتياز.
2. رجل المواقف
إزاء الخطر الذي كان محدقاً بالصبي يسوع وأمه مريم (راجع، مت 2: 13)، كان على يوسف رجل المهمات الصعبة، أن يعرف كيف يتعاطى مع المخاطر والظروف التي كانت محيطة به، فتراه يتصرّف بحكمة يدبّر شؤون أسرته تدبيراً مقدّسًا، مستسلماً لعناية الله ومتّكلاً على وعوده الخلاصيّة. في الأزمات تراه قويًّا متماسكاً، لا يرتبك ولا يستسلم أو ينهار تحت وطأة الضغط، ولا يخاف التهديد والوعيد، لأنّه يؤمن أن الله سيتدخل في الوقت المناسب لينقذه، لذلك فالضمانات البشرية بالنسبة له هي وهم وسراب، فهو حرّ العقل والقلب غائص في فكر الله ومتّقد أبوة وحنان ورفقاً. مستعد أن يتخلى مع مريم عن كل شيء في سبيل حماية الطفل يسوع، لهذا ترك بلده وسار مع عائلته متوجهاً نحو مصر، بحسب ما أوحى له الملاك (راجع، 2: 14- 15) سار مسافات طوالاً وواجه بحزم وثقة ورجاء، أخطار السفر وقساوة الطقس، مدركاً أنه ليس لوحده فالرب يسير معه (راجع، خر13: 21). إرتضى مع مريم حياة الفقر والتقشف والحرمان من أجل يسوع، لأن عمانوئيل هو الكنز الحقيقي الذي أغنى كل فقره، واضع التيجان ومعطي الخيرات يزيّح على حضن يوسف[2]. وعندما فقد يسوع، لم ييأس في البحث عنه فذهب مع مريم الى أورشليم (راجع، لو2: 45- 46)، وهناك إكتشف من جديد أولوية الحياة الروحيّة أن يكون الإنسان في مكانه الطبيعي أن تتطابق إرادته مع إرادة الله.
خلاصة
نتعلّم من القديس يوسف، أن قيمة الرجل المسيحيّ هو في صلاحه وتقواه وعفافه، تتجلّى في علاقة منفتحة مع المرأة زوجته، مؤسسة على الإحترام والدعم المتبادل، والتشجيع وخلق مناخ الأمان والحوار الدائم، ومواجهة المصير وعيش السعادة معاً ضمن الثنائيّ المختلف والمتمايز. وأن المواقف العنيفة والمتشنّجة تجاه الزوجة، تتناقض مع هوية ودعوة الرجل. لذا على الرجال الإقتداء بمثل هذا القديس العظيم، أن يدركوا تمام الإدراك انه ليس بإستطاعتهم وحدهم حلّ المشكلات التي تعترض مسيرة العائلة، فقوّة الساعدين تفشل دون يد الله، عليهم أن يستعينوا بخدام المسيح أي الكهنة، الذين يصنعون أرض عائلاتهم سماء (الطوباوي الكبوشي، 2008) .
في الختام، فلتعلم الفتيات ان الرجل الذي يتقي الله ويعمل في تحقيق وصاياه، هو خير من رجل يملك المال والجاه والقوّة، وقلبه خال من التقوى والبرّ والمحبّة.
[1] – راجع، مجمع العقيدة والإيمان، حول تعاون الرجل والمرأة في الكنيسة والعالم، فقرة15. [2] – راجع، مار أفرام السرياني، أناشيد الميلاد 5: 18.