من هنا، أودّ أن أذكر بعض الأمور المهمّة، التي غالبا ما تشكّك المؤمنون المسيحيّون، وتقفُ كحاجزٍ أمني عند غير المسيحيين. نحنُ لا نؤمن بثلاثة آلهة أبدًا، ليس عندنا إلهٌ كبير، ثم صغير، ثم أصغر. إلهنا واحدٌ. وتعدّد الالهة هذا، فقط، عندما يؤمن الأنسأن باشياءٍ اخرى تافهة ويحوّلها لمبدإ عام حياتي يسير بموجبه. ولا يجوز أن نعمل صورة لله حسب أهوائنا ومزاجنا، عندما يأتي أحدهم يصرّح بأن الله واحد ولا يجوز أن يكون هناك ثلاثة، فهذا كفرٌ علني، أجيبه: من هو الله في نظرك أنت؟!، وكأنك تعرف ولديك فكرة مسبّقة عنه لكي تصرّح بهذا التصريح وتدعونني بكافر .. ! الكفر، عندما نضع الله على مزاجنا، ولا نجعله هو يحتوينا ويشملنا، لأن الله الواحد ينكشفُ لنا عندما يأتي هو ويسيطر على حياتنا ويشملنا بحقيقته، وعلى الأنسأن (الطرف الآخر) أن يستقبل الله في قلبه وكيأنه ووجدأنه، هنا فقط، سيفقه الأنسأن معنى الثالوث الإلهي ؛ وبأن الثالوث، ليس تعدّدا إلهيّا، وشبكة معقّدة من الآلهة المتناقضين. سيفهم العالم من حوله أكثر من ذي قبل، وهنا أدعوا العقلاء وأصحاب المنطق، التحلّي بالصبر والتأني والتأمّل، ولا يتسرّعوا في الحكم، ولا يضعوا الله في الفحص المجهريّ لكي يُثبتوا بعد حينٍ أن الله واحد . لا نعرف ! قد يحدثُُ مستقبلا أن نسمع في الصحف أو قنوات التلفاز، أو في وكالات الأنباء العالميّة، ووكالات الفضاء، أن العلماء اكتشفوا بعد جهد جهيد، في عمليّة صعبة معقدة وتحليليّة تعتمد على خبرات الأنسأن والبراهين والمواد الأوليّة، مع العلم أن أخذ خبرات الأنسأن هذه ومواقفه، ليست من أجل بناء الأنسأن لكنها فقط إرضاءً لرغبات حقيرة ، يكتشفوا ويعلنوا في التلفاز وعلى الملأ أن الله واحدٌ وهذا اكتشافٌ علميٌّ جبار وتحطيم للأرقام القياسيّة….!!! يا لها من سخافةٍ إعلاميّة لا تهزّ كيأننا سوى الساذج الجاهل.
حاول الكاردينال واللاهوتيّ كاسبر، أن يضع الاساس الايجابي للعجر الجذريّ عن فهم الثالوث حتى بعد كشفه، وهو في واقع، أنّ الله الثالوث، لا ينكشف لنا في التدبير الخلاصيّ إلا بواسطة التأريخ، وبواسطة كلمات وأفعال بشرية، وبالتالي في أشكال محدودة، وهنا أيضا يتحقق، أننا لا نعرف الله إلا في مرآة وليس وجها لوجه، او كما يقول القديس توما الاكويني: حتى في التدبير الخلاصي، نحنُ لا نعرف الله إلا بطريقة غير مباشرة، انطلاقا من مفاعيله. وهذه، بلا ريب، هي أوضح وأقلّ التباسا مما في الخلق، ولكنها تتيح لنا فقط، معرفة أن الله موجود، وأنه ثالوث. ولكنها لا تجعلنا نعرف ذاته من الداخل، فنحنُ إذن، متصلون بالله كما بمجهول. ويتحدث كاسبر ايضا، أن سرّ الله الثالوثيّ في ذاته هو هنا، الافتراض السابق، والعلّة الداخلية، والمضمون الأعمق، لسرّ التجسّد والنعمة، فالثالوث، هو سرّ جميع الأسرار، السرّ بكامل المعنى للإيمان المسيحي.
في ختام هذه الفقرة، لنرى ما يقوله الكاردينال راتزنغر (البابا بنديكتوس السادس عشر) بخصوص مسألة الكائن الثالوثي: “من المهمّ، في رأيي، أن نبيّن كيف تصبح عقيدة الثالوث حقيقة وجوديّة، وكيف يصبح تأكيد مماهاة العلاقة والوحدة عامل توضيح بالنسبة إلينا، أن جوهر الكائن الشخصي الثالوثيّ، هو أن يكون علاقة محضا، وبالفعل ذاته وحدة مطلقة، وسوف نرى أيضا، من الآن فصاعدًا، أنّ الوحدة الأتمّ ليست وحدة الذرّة، ليست وحدة العنصر الأصغر غير القابل للأنقسام، بل أنّ الوحدة المطلقة تتحقّق فقط، في الروح، وتتضمّن الصفة الثلاثيّة الخاصّة بالمحبّة”.