كثيرٌ من المفسّرين اليهود يؤكّدون ذلك ويشدّدون على كون كلّ عناصر الصلاة الربيّة موجودة في الصلوات اليهوديّة في زمن يسوع (وقلنا سابقا إن يسوع ينتمي لشعب تحتلّ فيه الصلاة مكانة مرموقة ) . وهكذا كتبَ ر . هارون : ” إنّ هذه الصلاة الأساسيّة في المسيحيّة ، مستقاة بشكل مباشَر ، في الكثير من عباراتها ، من الصلوات اليهوديّة الأساسيّة التي تلاها يسوع أو سمع تلاوتها في السنوات التي قضاها في الناصرة ” .
ويقولُ أيضا س . بن شورين الذي بحثَ في ضرورة إكتشاف الجذور المشتركة بين المسيحيّين واليهود : ” إنّ توصّل كلّ طرف إلى تجاوز هذا الشعور بالجهل ، لن يجدي اليهوديّ أيّة ممانعة من تلاوة (أبانا الذي في السموات ) مع جماعته ، وهي صلاة يسوع التي لا تحتوي على شيء يتعارضُ مع الإيمان اليهوديّ ” .
لا نقدرُ أن نتصوّر ، أنّ يسوع تلى هذه الصلاة اليهوديّة بكلّ حذافيرها ومعانيها (مؤكّد أنّ معناها ، عند يسوع ، تغيّر عمّا هي عندّ اليهوديّ ، خاصّة دعاء الأبانا ! وسنرى ما معنى “أبانا الذي في السماوات في شرحنا لفقرة أبانا الذي في السماوات) .
النداء الموجّه إلى الآب – وهو معروفٌ في التقليد اليهوديّ – يفهمهُ تلاميذ يسوع بوجه ٍ مغاير ٍ . ففي العهد الجديد يعلنونَ بنوّتهم الإلهيّة في المسيح (غلاطيّة 4 : 4 – 6 ، رومية 8 : 15 ) . فالذي يؤمنُ بيسوع الإبن الوحيد ، ويقتبل العماد ، يصبح إبنا لله بالتبنّي ، وهذه البنوّة تمكّنه من المشاركة في الحياة الإلهية .
من جهة أخرى ، نرى أنّ الصلاة الربيّة لا تتمحور حول خبرة اسرائيل ولا حول الشهادة التي عليه أن يؤدّيها لله . فالجماعة المسيحية تبدو على غير هذا النحو . إنّ الصلاة من أجل مجيء المكلوت ، بالرغم من إيجازها ، لم تعدْ تطلبُ نهاية السيطرة الأجنبيّة أو عودة المنفيّين .. ذلك بإنّ المسيحيّ يطلبُ المجيء النهائيّ لملك الله من أجل الكلّ . إلاّ أنّ هذا الإيجازَ وهذه الكثافة في صلاة يسوع ، يثيران الدهشة : من خلال بضع كلمات نجدُ أنفسنا أمام ” تكثيف ” لكلّ التقليد الكتابيّ واليهوديّ حول الصلاة ، في أسمى تعابيرها .
وأخيرًا وليس آخرًا ، هناكَ عبارة شهيرةٌ لطرطليانس تبدو في منتهى الصحّة : ” الصلاة الربيّة هي موجز لكلّ الأنجيل ” .
يتبع