يقول الأب تونينو لاسكوني (Tonino lasconi) كاهن وصحفيّ ايطاليّ معروف: ” في لغة الكتاب المقدس، لا تعني عبارة الذي (يسكن في السماوات)، أي مَنْ يسكن فوق السحاب، وسط النجوم ؛ لكن تعني الذي هو “مختلف” عنّا. السُكنى على الأرض يعني: إذا كنا في مكان ما، فليس بإمكاننا أن نكون في موضع آخر، فإذا كنّا في واد، فليس بإمكاننا أن نكون على الجبل. السكن في الأرض يعني إذا أردنا الذهاب للقاء صديق ما، علينا أن نتحرّك من مكان إلى أخر. وهذا يعني أنّ الزمن يجري، فعندما يكون ظلام فلا يمكننا أن نرى شيئا، حتى وان كان نهارًا، يكفي أن يكون هناك سورًا أو شجرة أو سياجًا، ليمنعنا من النظر . العيش في السماء يعني الكون كالسماء: أي أن تكون في كلّ مكان، تراها (السماء) وتراك في كل مكان، هي نفسها دائمًا. لو تذهب إلى القطب الشمالي، فالسماء تكون فوقك، لكن لو ذهبت إلى القطب الجنوبي، فكذلك الشيء ستراها وتراكَ؛ وهي نفسها تراها من الجبل كما تراها من البحر. وانّك ستراها ليس فقط في النهار وإنما في الليل أيضا، لا بل، تراها أحيانا في الليل أجمل مما في النهار، لأنها مليئة بالنجوم. لهذا السبب يقول الكتاب المقدس أنّ الله يسكن في السماوات. (…) “الذي في السماوات“، أي أنك لست هناك فوق، بعيد جدا، لكنك كالسماء، تراني وأراك دائمًا، انك معي دائما وبإمكاني أن أكون معك دومًٍا.”
ويؤكّد التعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة:
“هذا التعبير الكتابيّ لا يعني مكانا (الفضاء) وإنما نمط وجود؛ لا بُعد الله بل جلالته. فأبونا ليس ” في مكان آخر”، هو ” في ما وراء الكلّ” ، ما يمكننا تصوّره من قداسته. ولأنه مثلّث القداسة، فهو قريب جدّا من القلب المتواضع النادم. يقول القديس اوغسطينوس: ” إنّ هذه الكلمات “أبانا الذي في السموات” تسمع بحقّ من قلب الأبرار حيث يسكن الله كما في هيكله. وبذلك أيضا يرغب المصلّي في أن يرى مَن يدعوه ساكنا فيه” (القديس اوغسطينوس في عظة الربّ على الجبل) .
إذن، أبونا يرانا دائمًا، ونحن دائمًا أمامه، وهذا يحصل بقدر ما نؤمن بهذا التصريح (التأكيد). نحن نعيش في حضوره نهارا وليلا، انه موجود في كل مكان . انه حاضر في سماء روحنا، كما كانت تحبّ أن تقول الطوباويّة إليزابيت الثالوث.
يقول جيوفاني بابّيني ، أحد عباقرة إيطاليا (1881 – 1956) : ” الذي في السماوات ، أي في ما يُناقض الأرض ، في فَلك ٍ يناقضُ المادّة . في منطقة الروح ، وفي ذلك الحيّز من الروح البالغ الصِغَر ، ولكنّه أبديّ : أي نفسنا ” .
وأذكرُ أيضا كلامًا رائعًا للاهوتيّ رومانو غوارديني يعبّر بكلمات جميلة ويقول : ” ثمّ السماء ، ولكن ما السماء ؟ .. السماء ! وما أدراكَ ما السماء ؟ تلك التي إستقبلتْ يسوع في يوم صعوده ، وتلك التي ستكونُ يومًا للكلّ ؟ ألا تكون السماء إذن في أعالي الفضاء ؟ كلا ثمّ كلا ! فلا وجودَ للأعالي إلا في الفكر (…) ، ويقول : السماءُ ، هي الله في باطنيّة وجوده ” (من كتابه قيامة المسيح ص 47).
يتبعْ