“البطالة هي نتيجة نظام اقتصادي عاجز عن خلق فرص للعمل لأنه وضع في الوسط مثال أعلى يدعى المال” كارل ماركس؟ ماكس فيبر، ستيفان هيسيل؟ كلاّ! إنه البابا فرنسيس الذي قال هذه العبارة عندما استقبل في 20 آذار آلاف العمّال الآتين إلى الفاتيكان. إنّ رسالة البابا كانت واضحة يومذاك: “إنّ العمل لا يملك غاية إقتصادية وربحًا بل قبل كل شيء هو يملك غايةً تهمّ الإنسان وكرامته”.
بعد مرور عام على انتخاب البابا فرنسيس، ها هو اليوم يستقبل الرئيس الأميركي باراك أوباما بالرغم من انتقاد البابا الشديد لنظام الرأسمالية الذي يزيد من فداحة التفاوت بين الناس و”يعجز عن خلق فرص للعمل”. بالطبع، إنّ هذه المواقف قد أنشأت ردود فعل كثيرة في هذه الأشهر الأخيرة بالأخص في الولايات المتحدة حيث يظنّ البعض أنّ البابا هو “شيوعي” أو “ماركسي” إنما بالنسبة إلى الاختصاصيين العاملين في الفاتيكان إنّ البابا قلّما يكون رجل سياسي بل هو يندرج في خط العقيدة الاجتماعية للكنيسة.
“برغوليو هو بابا عالمي. هو حرّ من إيديولوجيات الماضي على عكس البابا يوحنا بولس الثاني ابن الحرب الباردة” هذا ما فسّره ماسيمو فرانكو، كاتب في صحيفة “كورييري ديلا سيرا” وواحد من أفضل المتخصصين في الفاتيكان.
لا عجب في أنّ البابا فرنسيس خصص في إرشاده الرسولي “فرح الإنجيل” قسمًا كبيرًا للتحدّث عن “صنميّة المال الجديدة” حيث “تنسينا الأزمة المالية التي نمرّ بها أنّ مصدرها هو أزمة أنتروبولوجية عميقة: نكران أولوية الكائن البشري” ويتابع البابا ليقول: “فيما أرباح عدد صغير من الناس تتزايد تصاعديًا وغُفلاً، فأرباح الأكثرية تتركّز بطريقة تتباعد أكثر فأكثر عن رفاهية تلك الأقليّة السعيدة”.
إنّ هذا البابا قد ألّف أسلوبًا خاصًا به فهو لم يرفض انتعال الحذاء البابوي والسكن في القصر الرسولي فحسب بل عُرف منذ عامه الأوّل بعباراته التي لا تُحصى وهجماته العنيفة ضدّ “عولمة اللامبالاة” “فلم نعد نبكي أمام مأساة الآخرين والاعتناء بهم لا يهمّنا”… و”صنمية المال” و”ديكتاتورية الاقتصاد الذي لا وجه إنسانيًا حقيقيًا له ولا هدف”. فكيف يكون البابا شيوعيًا أو ماركسيًا أو…؟ إنه إنسانيًا، وبامتياز!