من بين المواضيع التي تعمق بها الآباء اللتين بشكل أكبر نسبة إلى إخوانهم من الآباء اليونان، نجد موضوع الأسرار، وبشكل خاص “فكرة السر”، رغم أن الأخيرين قد تعمقوا بشكل رائه ببعض الأسرار المفردة مثل المعمودية، المسحة والافخارستيا.
وقد شاء الأب رانييرو كانتالامسا تكريس الانتباه على تعليم القديس أمبروسيوس لأنه أب الكنيسة الذي شدد بشكل فريد على حضور المسيح الحقيقي في الخبز الافخارستي، ووضع ركائر عقيدة التحول الجوهري. ففي بحثه “في الأسرار” يكتب: “هذا الخبز هو خبز قبل الكلمات الأسرارية؛ بعد تدخل التقديس، يتحول من خبز إلى جسد المسيح… ما هي الكلمات التي تُتم هذا التقديس، ولمن هي هذه الكلمات؟ … عندما يتم السر المبارك، لا يستعمل الكاهن كلماته، بل كلمات المسيح. لذا فإن كلمة المسيح هي التي تُتم السر”.
وفي كتاب آخر يقول: “كلمة المسيح استطاعت أن تخلق من العدم الذي لم يكن موجودًا، ألا يمكنها أن تحول إلى شيء آخر شيئًا موجودًا؟… فالرب بالذات يقول: ’هذا هو جسدي‘. وقبل بركة الكلمات السماوية يستعمل اسم شيء آخر، ولكن بعد التكريس يعني الجسد!”.
لا عجب أن يشكل القديس أمبروسيوس إذًا السلطة الأساسية التي سيلجأ إليها القديس توما الأكويني في خلاصته اللاهوتية للحديث عن “الحضور الحقيقي” للرب في الافخارستيا.
من بين “أجساد المسيح الثلاثة”، الجسد التاريخي، الجسد الكهنسي والجسد الافخارستي، يجمع أغسطينوس بشكل وثيق الأول والثالث. الجسد المولود من مريم هو جسد المسيح الافخارستي.
في إطار الحديث عن الاحتفال بالافخارستيا، شدد الأب كانتالامسا على ضرورة تجاوز المقاربة الفلسفية لفهم السر التي فرضت نفسها انطلاقًا من العصر الوسيط، على حساب الربط بين سر الافخارستيا والعشاء الفصحي العبراني. يأتي اقتراحه في إطار عرض يوسف راتزنغر (البابا بندكتس السادس عشر) واللاهوتي لوي بوييه. فالـ “بِراخا” اليهودية تلخص العهد القديم وهي جواب البركة والشكر (الافخارستيا) لشعب إسرائيل ولكلمات الحب التي يوجهها الرب إليه.
وشرح الأب كانتالامسا أن الافخارستيا تتضمن أعجوبتين: الأولى هي تحول الخبز والخمر إلى جسد الرب، والثانية هي تحولينا إلى “ذبيحة حية مرضية لدى الله”.