عظة الكردينال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي – العيد السنوي لعائلة الأخويات في لبنان – سيدة لبنان – حريصا، في 30 أذار 2

“أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك”

Share this Entry

1. بهذه العبارة قالت مريم كلمة “نعم” لتصميم الله عليها، فكان تجسّدُ ابنِ الله، وتحقيقُ سرّ الفداء، وولادةُ الكنيسة بالروح القدس، وقد جعلها المسيح مؤسسها “أداةَ الخلاص الشامل وعلامتَه”(الدستور العقائدي في الكنيسة 48). إنها كلمةٌ بدّلت مجرى التاريخ وقادته إلى ملء معناه وغايتِه. ولأن مريم اختبرت أبعاد هذه الكلمة، المعبِّرة عن طاعتها لإرادة الله، كيفما تجلّت، وكخبيرة في مشاعر يسوع ابنِها ومكنونات قلبه، قالت للخدم في عرس قانا الجليل: “مهما يقل لكم، فافعلوه“(يو2: 5). هذه التوصية اختارتها أخوياتنا موضوعًا لهذه السنة.

2. يسعدنا أن نحتفل معًا بهذه الليتورجيّا الالهيّة، هنا في بازيليك سيدة لبنان، إحياءً لعيد رابطة الأخويات. فيطيب لي أن أُحيّي، باسم أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، جميعَ أخوياتنا في لبنان، وعلى رأسهم سيادة أخوينا المطران ميشال عون المشرف على الرابطة من قبل المجلس، والمطران شكرالله – نبيل الحاج المشرف السابق، كما أُحيّي رئيسَها السيد غطّاس نخله ومرشدَها العام الأب سمير بشاره وسائرَ أعضاء اللجنة الإدارية. ويكتسب الاحتفال السنوي هذا بُعدًا يوبيليًّا بمرور 451 سنة على تأسيس الأخويات في العالم. إنّنا نرفع إلى أمّنا مريم العذراء نشيدَ الشكر والتسبيح الموجّه بلسان أشعيا للحكمة الألهية المتجلّية فيها: “قد أُوتيتِ مجدَ لبنان، وبهاءَ الكرمل والشارون. فيكِ نرى مجد الرب وبهاءَ إلهنا"(راجع أشعيا 35: 2).

ويسعدنا أن نطلق في المناسبة “جيش الوردية” الذي قرّرته اللجنةُ المركزية لأخويات شبيبة العذراء، تلبيةً للنّداء الذي وجّهه قداسةُ البابا فرنسيس خلال الاحتفال بالأيام العالمية للشبيبة في البرازيل في تموز 2013، إذ قال: “أعطوني جيشًا يُصلّي الوردية، فأحرّر به العالم“. “جيش الوردية” هو أخويات الشبيبة في لبنان التي تلتزم بتلاوة المسبحة الوردية في الرعايا، في كلّ أول أربعاء من كل شهر. إننا نثني على هذه المبادرة الروحية، التي ستكون لها الثمار الوفيرة من يدَي أمّنا مريم العذراء المفتوحتَين لهذه الغاية من على قمّة حريصا. ونحيّ اخويات الشبيبة، وبخاصة مرشدها المركزي الاب جان موسى، ورئيستها الآنسة سينتيا الحايك. اننا نصلي من جميع اخوياتنا لكي تزدهر وتنمو لمجد الله وخلاص اعضائها.

3. ولا يسعنا في المناسبة الا ان نعرب عن حزننا لوقوع ضحايا في الأمس من الجيش اللبناني وقوى الامن في طرابلس وعلى حاجز عرسال في البقاع.

إننا نعزّي اهلهم وقيادة الجيش، ونسال الله الراحة الدائمة في السماء. ولكننا نحزن بنزع خاص وناسف وندين هذا التعدي على الجيش والقوى الامنية على يد مجموعات تكفر بالانسانية والوطن والقانون، ونأسف بالاكثر للتغطية السياسية التي يحظون بها، والتغطية مشاركة في الكفر والاعتداء على الدولة والوطن والمؤسسات.

إننا نناشد الحكومة بإحكام الخطة الامنية التي قررتها مع المجلس الأعلى للدفاع، وتقتصّ من كل المجرمين ومن يتلطى وراءهم ويستغلهم ويجرّدهم من إنسانيتهم واحترامهم لقدسية الجيش والقوى الأمنية المكرّسة لخدمة الشعب اللبناني وكل مَن يطأ أرضَ هذا الوطن.

4. يندرج احتفالُنا في إطار عيد بشارة الملاك لمريم العذراء، الذي أقمناه الثلاثاء الماضي. بجوابها “نعم” للبشرى الإلهية، ولو لم تفهم كلَّ أبعادها وصعوباتها، إنفتحت مريم على أفق الله، بالخروج من أفقها الصغير، ومن مشروعِ زواجها من يوسف، فتبدّل مجرى تاريخ العالم. بفضل ذاك الجواب “نعم”، الذي به كرّست كلَّ ذاتها نفسًا وجسدًا، فكرًا وقلبًا، لتحقيق مقاصد الله كخادمةٍ له، صارت مريم أوّلَ المؤمنات والمؤمنين، إنّها لنا النموذج في قبول الكلمة الإلهية وتصميمِ الله وإرادته على كلِّ واحد منّا. نقبلها بإيمان ورجاء وحبّ، ونجسّدها في أعمالنا.

5. أجل! إنّ مجرى التاريخ يتغيَّر في عالمنا، في كلّ مرّة نقول “نعم” لله الذي يدعونا بإلهامات الروح القدس، وكلامِ الانجيل، وتعليمِ الكنيسة، ونداءات المجتمع، وحاجات الوطن.

تشكّل الأخوياتُ “المكان” المميّز لسماع كلام الله والبحث عن إرادته والاجابة بـ “نعم”. إنّ “نعم مريم يتواصل في نعمالأخويات بدورها المثلّث: دعم رسالة الكنيسة بتوجيهات رعاتها، بحكم المعمودية والميرون الذي اشترك فيه المسيحيون بكهنوت المسيح العام؛ ومساعدة الكهنة في أداء خدمتهم الراعوية: التعليم والتقديس والتدبير، بحكم الانخراط في الأخوية؛ والقيام بخدمة المحبة ورسالة نشر السلام في الرعية والمجتمع والوطن، بحكم الشركة والمحبة.

6. إنجيل البشارة هو إنجيل المحبّة: ألله أحبّنا أوّلاً، ويحبّنا دائمًا أولاً. أحبّ مريم وهيّأها لتكون أم ابنه الذي سيتجسّد منها بالروح القدس وهي عذراء، لفداء البشر وخلاص العالم. عصمها من دنس الخطيئة الأصلية لتكون القديسة التي ستحمل القدّوس في حشاها وكلِّ كيانها. كشف اللهُ حبَّه لمريم يوم كشف لها الملاك أنّها “الممتلئة نعمة” منذ اللحظة الأولى للحبل بها، ودعاها لتكون أمّ ابنه. فبادلته الحبَّ من كلّ القلب بكلمة “نعم”. ومن يومها، إبنة الآب أصبحت عروسَ الروح القدس وأمَّ الابن.

7. الانخراط في الأخويّة هو دخول في إنجيل المحبّة، إنجيل “نعم” لله وللكنيسة، للشركة والمحبة. حدّد الطوباوي البا
با يوحنّا بولس الثاني في إرشاده الرسولي “العلمانيون المؤمنون بالمسيح” مساحاتِ “نعم” الأخويات المتنوّعة في الأعمار والشفعاء، على مثال “نعم” السيدة العذراء.

المساحة الأولى: “نعم” لدعوة كلّ مسيحي ومسيحية إلى القداسة، بحكم المعمودية والميرون. فالروح القدس يُغني النفوس المؤمنة بثمار نعمة محبة الله، لكي ترتقي بها إلى ملء الحياة المسيحية وكمالِ المحبة. وهكذا تصبح الأخوية مدرسةً للإيمان والصلاة، وموقعًا لإعلان حقيقة الإيمان المتعلّقة بالمسيح والكنيسة والإنسان.

المساحة الثانية: “نعم” لشركة الوحدة مع الاسقف وكاهن الرعية، بحكم الشركة القربانية التي تُدخِلُ الأخويات إلى قلب كنيسة المسيح الواحدة والجامعة. “نعم” لتعليم هذه الكنيسة الذي ينقله الأسقف إلى المؤمنين والمؤمنات في أبرشيّته، ويبلّغه الكاهن معاونُه إلى أبناء رعيّته وبناتها. “ونعم” للتعاون الرسولي المتبادل في نقل بشارة الإنجيل وتعليم الكنيسة، من أجل تثقيف الضمائر وتقديس البشر وتأهيلهم لبث روح الإنجيل وقيَمِه في الحياة العائلية والاجتماعية والوطنية، وفي مختلف النشاطات والشؤون الزمنية.

المساحة الثالثة والأخيرة: “نعم” لخدمة المحبة تجاه الأخوة الفقراء والمحتاجين، المرضى والمتألّمين، الحزانى والمهملين، المقهورين والمظلومين، هؤلاء الذين يسمّيهم الرب يسوع “أخوته الصغار” ويتماهى معهم (راجع متى 25: 34-40). إنّها خدمةٌ تلتزم بها الأخوياتُ بحكم روح “الأخوّة” التي تميّز أعضاءها. وتمتدّ خدمةُ المحبة إلى تعزيز الكرامة الانسانية وإحلال العدالة والسلام في المجتمع والوطن (راجع العلمانيون المؤمنون بالمسيح، 30).

8. أمّا الينابيع التي ترتوي منها “نعم” الأخويات في مساحاتها الثلاث وأبعادِها، فهي الليتورجيّا المعروفة بليتورجيّة الكنز الحيّ. هذا هو موضوع رسالتي العامة الثالثة التي تكوّن برنامجنا الراعوي لهذه السنة 2014، والتي يسرّني أن استودعكم إياها في عيدكم هذا. من الليتورجيّا تتعلّمُ الأخويات وتعيش العبادة الحقّة لله في الروح والحقّ (يو4: 23)، وتشاركُ في سرّ المسيح الفصحي، سرِّ موته لفدائنا، وقيامتِه لتقديسنا، في البعد الكهنوتي. وتقبل الأخوياتُ كلامَ الله لحياة البشر من الكتب المقدسة، وتلتزم عيشَها ونقلها وتعليمها، في البعد النبوي. وتتفانى الأخوياتُ في خدمة المحبّة وفي الشريعة الأخلاقية، في البعد الملوكي. وهي الأبعاد الثلاثة التي أشركتنا في كهنوت المسيح بواسطة المعمودية والميرون.

من ليتورجيّة الكنز الحيّ” ينال المؤمنون والمؤمنات هويّتَهم المسيحية ويدركون رسالتَهم في الكنيسة والمجتمع. إنّ النعمةَ الكبرى التي ينالُها أعضاءُ أخويّاتنا، صغارُهم وشبّانُهم وكبارُهم، هي إمكانيّةُ المشاركة في “ليتورجيّة الكنز الحيّ”، في القداس الأسبوعي وفي قداس الأحد. ندعو أبناءنا كهنةَ الرعايا ومرشدي الأخويات بكلّ فروعها إلى إحياء الإحتفالات الليتورجيّة وإتقانِها وفقًا للروح والتوجيهات التي تقدّمها رسالتي العامّة، وشرحِ رموزها ومصطلحاتها، وتنشئة الصغار والكبار على روحها ومضامينها، لكي تأتي مشاركتُهم فيها واعية وفاعلة، فينالوا ثمارها الروحية الموعودة.

أيّها الأخوة والأخوات، فلتكن مشاركتنا في الليتورجيّا الإلهية حول مذابح كنائس الأرض، إنعكاسًا لليتورجيّا السماء حول عرش الحمل المذبوح والممجّد، ولتجعل من حياتنا وأعمالنا، من أفراحنا وهمومنا وآلامنا، نشيدًا بنويًّا نرفعه، بواسطة أمّنا مريم العذراء، سيدة لبنان وسلطانة السلام، للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.

Share this Entry

Bechara Boutros El-Rai

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير