أيها الأخوات والأخوة
خاطبت محبتكم مرارا خلال الأسابيع الماضية عن الصوم والصلاة وفوائدهما وكم من النعم الروحية يحصل عليها كل من يصوم ويصلي. من هذه الثمار:
1- هي أن نكون أقرب إلى المسيح، أن نسكن فيه وهو يسكن فينا. عندها نعرف أن الإيمان به يزيدنا نقاء وطهارة وفرحا وانفتاحا على الآخر، فنعرف أن "كل شيء مُستطاع للمؤمن" (مر9/23) خصوصا عندما نسأل الرب أن يعين قلَّة إيماننا.
2- بالصوم والصلاة نجعل يسوع يفتح لنا أبواب رحمته وحنانه، بهما نحسُّ بقوة لا تغلبها قوة أرضية فنُفرغَ ذاتنا لنمتلئ من المسيح، آنذاك فقط نهدم حائط العداوة وجدار القسوة المعشش في قلوبنا.
3- نتمكن من التمتع بالصمت لنسمع كلمات يسوع تدخل أعماقنا فتبدلنا وتحولنا، فلا نجرؤ أمامه على الكلام إلا عندما نشعر بأوجاعنا وخطيئتنا فنتفوه بنعمة الروح القدس بصلواتٍ، طالبين منه الشفاء وأن يقبلنا أولادا وإخوة له.
الأناجيل في آحاد الصيام لها معنى خاص وهي تساعدنا لندخل في سر الكنيسة وفي سر آلام يسوع وقيامته. ففي الأحد الأول والثاني رسخت فينا الكنيسة العقائد الإيمانية ووضعت لنا في الأحد الثالث الصليب لنكرمه لأنه طريقنا الى القيامة.
أما في هذا الأحد فتدعونا الكنيسة الى المثابرة على الصلاة والصوم والتوبة على مثال القديسين يوحنا السلمي ومريم المصرية. وعلى المسيحي أن يحصّنَ ذهنه بالصلاة والصوم ليصير هيكلا للروح القدس كما يقول بولس الرسول "أنتم هيكل الله.."
أما ما سمعناه في الإنجيل المقدس عن حادثة شفاء الفتى من روح الشيطان الموجود فيه فهو يريد أولا أن يركز على الإيمان والصلاة كما أنه يلحظ عدم قدرة تلاميذ يسوع على شفاء الصبي وقد عملوا كل ما عليهم أن يفعلوه، باسم الآب. والإنجيل بهذا يصف معاناتنا اليومية، فالمسيح يقف معنا في مواجهة آلامنا وأفكارنا الشريرة ويقف معنا في وقت ضعفنا ومحننا وصعوباتنا وعندما نُضطهد ويتألب الناس علينا.
إننا نشبه الصبي المصروع الذي تخلى عنه كل الناس ولم يبقى له إلا يسوع ليشفيه. فهذه الحادثة تمثل مظهرا من مظاهر العنف والإرهاب الذي نشهده اليوم في مجتمعاتنا، ولا نجد إلا يسوع نلجأ إليه ليشفي مجتمعاتنا.
لقد رتبت الكنيسة أن نقرأ في هذا الأحد الرابع من الصوم إنجيل شفاء الصبي من الروح الشريرة التي امتلكته، لتقول لنا أن الحرب ضد الشر والشرير وضد الذين يحملون العنف في داخلهم تحتاج إلى الصوم والصلاة والإيمان.
والفكرة الثانية التي يعلمنا اياها انجيل اليوم هي الإيمان فيسوع دعا الأب المتألم والحزين ليؤمن وقال له: "إن استطَعتَ أن تؤمِنَ فكلُّ شيءٍ مُمكنٌ للمؤمِن". فصاحَ أبو الصَّبيّ لساعَتهِ بدموعٍ وقال: "إنّي أُؤمنُ يا ربّ. فأعِن قِلَّةَ إيماني. الكنيسة تعلمنا أن لا شفاء بدون إيمان ولا خلاص بدون إيمان. ولا يكفي أن تكون عندنا نوايا حسنة بالإيمان بل يجب علينا أن نضع بالقول والعمل ما نؤمن به.
وأخيرا تدعونا الكنيسة من خلال هذا الإنجيل أن نستفيد من فترة الصوم لنقوم فينا كل اعوجاج، فالصوم وقت مقدس نلتقي به الله ونتحاور معه. إن الله غفور، عطوف، شفوق ومحب للبشر، لو أردنا أن ننعم برحمته التي لا حد لها علينا أن نكون أولا فقراء الروح أو بكلام أسهل نشعر بحاجة ماسة إليه فيملأ حبه قلبنا ونصير أغنياء به