قد يلاحظ قراؤنا الأحباء أننا في الأسابيع الأخيرة فتحتنا فسحة أكبر – ولو لبعض الوقت – لمقالات لم نعودكم عليها في زينيت. هي مقالات، بل بالأحرى تأملات وتساؤلات وآهات تكاد تشبه المزامير بما فيه من صرخة ألم وطلب عون وفيض رجاء. لماذا؟ لأننا ندرك أن ما يجري في شرقنا الحبيب، وبشكل خاص في العراق، سوريا وفلسطين ليس مجرد خبر يجذب حشريتنا. ما يجري واقع مؤلم يمس أشخاصًا نبلاء، أبناء شعبنا وإخوتنا. وقد شئنا، ولو لفترة محددة، أن نفسح لهم المجال في هذه الفقرات التي لا تعطي أخبارًا مجردة بل قلوبًا حية تنبض بالرغبة في عيش آمن وكريم. فلتكن هذه السطور مدعاة صلاة وشركة روحية.
تجدون في الأسفل كلمات أخ لنا من العراق، وهو الشماس الإكليريكي سامي يوحنا مرخايا تلميذ المعهد الكهنوتي البطريركي الكلداني في العراق.
ندعوكم أيضًا إلى مراجعة صفحتنا على الفايسبوك لتشاهدوا بعض الصور التي التقطها من موصل “الأمس”، موصل التاريخ والتعايش، قبل أن تمتد إليها يد المغتصب المتعصب.
* * *
عجيبةٌ هذه الدنيا، شعبٌ يُطردُ من أرضهِ ويُنهبُ بيته ويُعرى من ثيابهِ في وَضحِ النهار. الهذا الحد وصلت أخلاق الإنسانية المتشحة بثياب الدين؟ الهذا الحد وصلت تعاليم ألهتهم بإبادة كل ما هو مختلف عنهم؟ لقد انتهى الربيع العربي للإطاحة بالرؤساء والأنظمة الديكتاتورية، وبدأ الخريف العربي المتشح بالدين للإطاحة بالشعوب الأصيلة في الشرق. هل يا ترى هذه هي الديمقراطية التي درسناها ولقنوها لنا ونحن صغار في المدارس؟ هل هذه هي الديمقراطية التي مبدأها يقول أنه حكم الشعب؟ لا، من الأفضل أن نبقى على الأنظمة السابقة أفضل من أن تحكمنا ديمقراطية تعرينا في وضح النهار وتسرق دواء شيخ مصاب في القلب أو الضغط، تسرق ذهب لتصيغَ منه ألهة جديدة وتعبده مثل ألهة اللات ومناة والعزى. هذا الشعب الفقير الشعب الموصلي العريق بإيمانه المسيحي، شعبٌ له أكثر من الف وتسعمائةِ سنةٍ في هذه الأرض، يتعبد لربه وتصدح جدران الكنائس في الموصل بأصوات حنجرته، يُطرد ويُبعَدُ؛ شعبٌ مؤمن متواضع رمزٌ للسلام وقدوة لكل الشعوب التي من حوله، يطرد مثل الغريب والعبد الشائن؛ شعبٌ لا طالما ضُرِب المثلُ فيه بأمانته وصدقه وبشاشته وتواضعه، الآن يُهجر وتستملك بيوته بالقوة ويُحلَل دمه. لمن لا دم له يسري في عروقه. ولكن، يبقى لنا ربٌ حيّ في السماء الذي لا طالما رافقَ شعبهُ المؤمن في ضيقاته. نطلب منك يا رب بأن ترافقنا في هذه الضيقة العابرة التي سوف لن تدوم لأن في النهاية الخير هو المنتصر وراية الصليب الحيّ هي التي سوف ترفع عالياً. أمين.