فكيان الانسان، هو تاريخه الطويل الواقف أمام الله، يأخذ منه كل البصمات والاثار السماوية، ويتوجّه الى مناطق عديدة من عالمه، ومن كيانه، فيرى أنه كاللقطات والصور المسحوبة الان، وفي هذا المكان الذي هو فيه الآن، وهي – اي الصور – كصور البارحة وما قبل البارحة، في زمن كان يعيش فيه الاباء والانبياء، معكوسةً، او بالأحرى، تنعكسُ وتُخلق وتنوجد في كلّ سويعات حياة الإنسان، وتولد في داخل كل جزيئةٍ من جزيئات هذا التاريخ الانساني. وهي كالارتداد والاسقاط لحياتنا الماضية، مع العلم، ان حياتنا الماضية هذه كان غيرنا يعيشها، ونحنُ لم نولد بعد، لكنها صورة حقيقيّة عنا، ونحن، لهذا السبب، نقرأ العهد العتيق ونطبّقه على حياتنا ونضع انفسنا بدلا من الشعب الذي كان يعيش ويتألم، ويفرح، ويختبر كلّ أنواع واشكال الحياة الأخرى، ونسمعُ صدى صوت الله من خلال كلام الكتاب المقدس وما يقوله للإنسان الحيّ الواقف أمامه.
ولهذا، يجب علينا، عند قراءتنا للكتاب المقدس، أن لا نصاب بالشك والتشكيك، وان ندع اصحاب العقلانيات والبراهين والدلائل التاريخية الباحثين فقط عن دلائل آثارية علمية، بأن يدعوننا للشك في الكلام الموحى به، وكأنه محرّف أو اصابه التحريف، بصراحةً نقولها، التحريف والكلام المحرّف نحن من نخلقهُ، فحياتنا، إذا حاولنا، وأنشاء الله يقوم عندنا أناسٌ كالعلماء الاجتماعيين والنفسيين، ان نحلل ونعمل دراسةً تحليليةً لبنّية مجتمعنا الانساني والتربوي، سنجد العجب العُجاب. لا نضحكُ على ذواتنا ونقول، نحن أفضل من الزمن القديم، ومن الذين عاشوا قبلنا بقرونٍ، صورتنا المشوّهة والمحرّفة نراها في مرآة الكلام الالهي في الكتاب المقدس وصورة العقل الجاهل ايضا الذي يقول: ” لا إله هناك”.. موجودةً ايضا بجنون في هذا الزمن الحاضر، وكلّ الاستنتاجات والتصريحات التي يدلي بها، أصحاب المبدأ العقلي السلبي، الباحث عن واقع تاريخ بحت، مصيرها الزوال والفشل والوقوع في اليأس، يجب أن لا ندع اصحاب التغطيات الإعلامية ان يدفعوا بالكتاب المقدس وبالاحداث التي جرت الى وضع الأمور هذه، في مجال بحثهم الصحفي الاعلامي، وكأنها سبقٌ صحفي عظيم لارضاء الجمهور…! . لا يجب التعامل مع الكتاب المقدس، وايضا وبالاكثر مع الإنسان الواقف أمام الله بالعقلانية الصرف، ونتعامل مع العلاقة مع الله، بالفكر المتزمّت المريض، الذي يحتاج الى مبرهنة ومعادلات حسابية، واظهارنا أمام العقلاء باننا مرضى الوهم والهلوسة والتخدير والانخطافات الروحية النفسية، والعاطفية، ولا دورٌ يذكر للعقل لنا.
الايمان المسيحي، لا ينكر أبدا دور العقل في التعامل مع الله، لا بل، أن العقل والإيمان هما كالسكتان الحديديتان المتوازيتان اللتان نسير عليهما، لكنهما لا يمكنهما أن يختلطا او يذوبا في قنينةٍ زجاجية، فالقطار من المستحيل له هنا أن يسير في إتجاهه. الايمان – العقل، يسيران في إتجاهٍ واحدٍ لكن لا يذوبان ولا يقتربان، هما في مسيرة دائمية للمستقبل.
ولهذا، لا نقدر أن نقول مثلا، للابن في البيت، كيف هي علاقتك بأبيك، او هل تقدر أن تكتب على ورقة عشرة أسطر كيف تشعر بأبيك، سوف يقف مكتوف الأيدي، ويتحجّر قلمه بين انامله ويقف. لان المشاعر الفطرية لا تُكتب على ورقةٍ أبدا، ولا يمكن أن تقال. علاقتنا مع الله على نفس المستوى يجب ان تكون.. يجب ان تعاش، ومن غير المعقول والمنطقي أن يأتني صاحب العقل الناقد ليقول لي: أن مشاعرك هذه تجاه إلهك، خاطئة منحرفة، أوهامٌ في أوهام، مثالياتٍ وأنزلاقات روحية ومن هالكلام المرتّب المزيّن العقلاني.. وهنا، عندما نشرح لهم ما يجري فينا، سوف لن يقتنعون حتى وإن ظهرت في السماء القديسة البتول مريم….!!
ما نودّ قوله، من خلال هذه الفقرات، أن الانسان – يجب وعليه – التخلص من مأزق العقل الفلسفي التجريبي، الذي يبحث من خلال دائرة تخطيطاته الحسابية والمنطقية الرياضية، عن حلٍّ لمسألة وجود الله والإحساس به، وأقامة دليلٍ رياضيٍ نظري لوجود الله في حياة الإنسان، فعلوا وفشلوا، وسيظلون يفعلون وينازعون ويفشلون، وتصبح هذه العملية، كدعابةً قاسيةً توقع صاحبها، كما أوقعت غاغارين عالم الفضاء الذي ذهب الى القمر وعاد وقال: “لم أر الله”. قد تكون هذه القصة رغم قلة دقتها للمنطق العقلاني، دقّة إبرةٍ حادة في قلب وكيان كلّ شخص يبتغي اللقاء مع الله والبداية الجديدة معه، إن كانت بدايةً من قديمٍ لجديد، ام بداية إهتداء الكافر الملحد…!.