الإنسان أمام الله.. التخلّص من مأزق العقل الفلسفي المجرّد (8)

لنلقيَ النظر قليلا كخاتمة لهذه الفقرة من شذراتنا لبعض ما قاله وذكره اللاهوتي الالماني اللامع فالتر كاسبر، يذكر هذا الكاردينال ، أن المؤرّخ، لا يضيف إضافةً لاحقةً الى التاريخ سؤالا يوجّه صوب بعدٍ، يجيب فيه اللاهوتي بالاعتراف بالله ربا للتاريخ، لكن التاريخ ذاته، هو من يطرح هذا السؤال. وأن المقصود ليس جوابا يدلّ على المعنى، ولا برهانا على الله إنطلاقا من التاريخ. إذن، ليس المقصود محاولة نعت أحداث تاريخية خاصة بافعال الله، أو حكم الله، وهذه المحاولة تتجاوز كثيرا قدرات المؤرخ الذي ليس هو بنبيٍّ.. المقصود هو، أفق مسائل، في هذا الأفق التاريخ موجود حتما دائما وبه يتحرك، وبدونه يستحيل فهمه.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ويتحدث كاسبر ايضا، عن أهمية الذات التكوينية في مسار الفهم التاريخي، ان كلّ فهمٍ يندرجُ في مسار تقليد، وان الافكار المسبقة المرتبطة بتاريخ نتائج حدثٍ ماضٍ، لا تجعل الفهم أكثر صعوبةً فحسب، بل تتيح أيضا نشوءه.

تبيّن لنا اللغة اليومية، (يقول كاسبر) ، انه لا يمكن حصر الإختبار في فهم موضوعاني، كما يُنسب ذلك غالبا للعلوم المسمّاة اختبارية، الاختبار لا يقتصرُ على ما يمكننا التثبّت والتحقق منه بالاختبار واعادته الى مقولاتٍ نمطية هي أبسط ما يمكن. وفي هذه الأثناء، لقد تخلّت حتى العلوم الاختبارية عن هذا النوع من الفهم التجريبي للإختبار، ليس من علمٍ الى الآن، حتى علوم الطبيعة، نجحَ بطريقةٍ مقنعة في اعادة المعارف الى معطيات تجريبية صرف، فتطوّر الفيزياء الحديثة خصوصا الفيزياء الكميّة، هو الذي أظهر عجزنا الدائم عن معرفة حقيقة الواقع في ذاته وإنما من خلال صور ونماذج ومفاهيم بشرية، لا نختبر الحقيقة الواقعة أبدا في ذاتها، نختبرها دائما كشيءٍ له مدلول ما بالنسبة لنا.

ولهذا، فمن المستحيل وضع أحداثٍ ووقائع سابقة بقرون طوال، في صندوق العقل الاختباري، ووضعها على طاولة العلماء والمؤرخين المستديرة لاقامة البراهين والاثباتات العلمية والنظريات، وكشف هذه الوقائع والأحداث بكل تفاصيلها، والدقة العلمية التاريخية، فمن المؤكد، ان هناك اضافاتٍ عديدة تضاف من هنا وهناك لهذه الاختبارات والأحداث. فالتاريخ هو كالغربال الذي يُسقط القطع الصغيرة التافهة ويُبقي القطع الكبيرة موجودة، وقد تكون هذه القطع الصغيرة التي تتسرّب من التاريخ لها الأهمية الأكبر لبُنية التاريخ ولبُنية كيان الإنسان.

(تم)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير