ويتحدث كاسبر ايضا، عن أهمية الذات التكوينية في مسار الفهم التاريخي، ان كلّ فهمٍ يندرجُ في مسار تقليد، وان الافكار المسبقة المرتبطة بتاريخ نتائج حدثٍ ماضٍ، لا تجعل الفهم أكثر صعوبةً فحسب، بل تتيح أيضا نشوءه.
تبيّن لنا اللغة اليومية، (يقول كاسبر) ، انه لا يمكن حصر الإختبار في فهم موضوعاني، كما يُنسب ذلك غالبا للعلوم المسمّاة اختبارية، الاختبار لا يقتصرُ على ما يمكننا التثبّت والتحقق منه بالاختبار واعادته الى مقولاتٍ نمطية هي أبسط ما يمكن. وفي هذه الأثناء، لقد تخلّت حتى العلوم الاختبارية عن هذا النوع من الفهم التجريبي للإختبار، ليس من علمٍ الى الآن، حتى علوم الطبيعة، نجحَ بطريقةٍ مقنعة في اعادة المعارف الى معطيات تجريبية صرف، فتطوّر الفيزياء الحديثة خصوصا الفيزياء الكميّة، هو الذي أظهر عجزنا الدائم عن معرفة حقيقة الواقع في ذاته وإنما من خلال صور ونماذج ومفاهيم بشرية، لا نختبر الحقيقة الواقعة أبدا في ذاتها، نختبرها دائما كشيءٍ له مدلول ما بالنسبة لنا.
ولهذا، فمن المستحيل وضع أحداثٍ ووقائع سابقة بقرون طوال، في صندوق العقل الاختباري، ووضعها على طاولة العلماء والمؤرخين المستديرة لاقامة البراهين والاثباتات العلمية والنظريات، وكشف هذه الوقائع والأحداث بكل تفاصيلها، والدقة العلمية التاريخية، فمن المؤكد، ان هناك اضافاتٍ عديدة تضاف من هنا وهناك لهذه الاختبارات والأحداث. فالتاريخ هو كالغربال الذي يُسقط القطع الصغيرة التافهة ويُبقي القطع الكبيرة موجودة، وقد تكون هذه القطع الصغيرة التي تتسرّب من التاريخ لها الأهمية الأكبر لبُنية التاريخ ولبُنية كيان الإنسان.
(تم)